السر الذي على بافيت أن يخفيه

TT

عادة لا تسمح لجنة الأوراق المالية والبورصة للمستثمرين بالاحتفاظ بالكثير من الأسرار، إلا إذا كنت لاعبا فاعلا مثل وارن بافيت. كشف بافيت يوم الاثنين الماضي عن شراء شركته «بيركشاير هاثاواي» 5.5 في المائة من أسهم «إنترناشونال بزنس ماشين»، وهو ما يعد أكبر استثمار له في شركة تعمل بمجال التكنولوجيا. مع ذلك لم يكون بافيت حصة من الأسهم قدرها 10 مليارات دولار في «آي بي إم» بين عشية وضحاها، حيث بدأ يشتري أسهمها قبل ذلك بثمانية أشهر بدأت في مارس (آذار). لم تكن لتعرف ذلك إذا قرأت بيانات «بيركشاير هاثاواي»، وهي البيانات التي تكشف من خلالها الشركات عن حصتها من الأسهم. لم يأت ذكر «آي بي إم» في البيان الربع سنوي لـ«بيركشاير» في أبريل (نيسان) ولا في أغسطس (آب). ولو نظرت نظرة متأنية، كنت ستكتشف ملحوظة غريبة تقول: «تم حذف معلومات سرية من مجموعة البيانات وأرسلت بشكل منفصل إلى اللجنة». ويعني هذا أن بافيت تلقى تصريحا خاصا من لجنة الأوراق المالية والبورصة بالإبقاء على سرية حجم استثماره في «آي بي إم»، وربما حصته من أسهم شركات أخرى يعمل على تدعيم موقفه بها دون أن نعلم عنها شيئا. المعاملة الخاصة التي يتلقاها بافيت من لجنة الأوراق المالية والبورصة ليست بالأمر الجديد، فلطالما استفاد من قاعدة غامضة تتيح له تجنب الإعلان عما يفعله إلى أن يصبح مستعدا وجاهزا. ويوضح بافيت ومستثمرون آخرون، مثل كارل إيكان وبيل أكمان ونيلسون بيلتز، أن الكشف عن الاستثمار سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى حد يفشل استراتيجيتهم. وبحسب قواعد لجنة الأوراق المالية والبورصة، يحق للجنة «منع أو تأجيل الكشف عن البيانات الخاصة بحصص المستثمرين في الشركات لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة أو لحماية المستثمرين». في حالتنا هذه تعني هذه القاعدة بوضوح حماية المستثمر بافيت لا المصلحة العامة. وقال جون نيستر، المتحدث باسم لجنة الأوراق المالية والبورصة، إن اللجنة حاولت «تحقيق توازن بين فوائد تبني الشفافية في ما يتعلق بحجم استثمارات كبار مديري المؤسسات، وبين الحاجة الشرعية إلى الحفاظ على سرية مصالح المديرين في بعض الحالات». وسألني بافيت في مقابلة: «كيف سيكون شعورك إذا تعين عليك الإعلان عن فكرة كل مشروع؟». وقال إنه لا يصدق إتاحة الأفكار الاستثمارية، التي يتوصل إليها مستثمرون محترفون، للمستثمرين العاديين خاصة قبل أن تتم عملية الشراء. وقال: «أود أن أعرف ما الذي سيفعله ثلاثة أشخاص؟ لكنني أشعر أنه لا يحق لي ذلك»، وتوقف لبرهة ثم استطرد قائلا: «أرى أن هذا ليس عدلا». مع ذلك، في الوقت الذي يطالب فيه المستثمرون بالمزيد من الشفافية، هناك شعور بأن الساحة في «وول ستريت» للأثرياء. وبموجب قانون لجنة الأوراق المالية والبورصة لعام 1943، على كل من يستثمر في المؤسسات، وهم من يعرفون حاليا بأنهم من يتحكمون في أكثر من 100 مليون دولار، الكشف عن حصتهم في الشركات بشكل ربع سنوي. ويجب على المستثمرين، الذين يشترون أكثر من 5 في المائة من شركة تابعة للقطاع العام، أن يفصحوا عن ذلك في بيان منفصل عند تراكم ما يمتلكونه من أسهم. ومن أسباب إصدار هذه القواعد منع أي مستثمر من الاستحواذ على المؤسسات، وكذلك معرفة المستثمر العادي إلى أين تتجه أمواله.

وطالما أثار قانون لجنة الأوراق المالية والبورصة عن السرية تساؤلات على مدى العقود الماضية، لكن سرعان ما نحيت هذه الأسئلة جانبا. وصرح لاري فينبيرغ، مؤسس «أوراكل بارتنرز»، لصحيفة «بيزنس ويك» في عام 1997 قائلا: «لا أعتقد أن البيانات التي تكشف عن سرية الاستثمار عادلة. إذا كنت سأخلع بنطالي أمام الناس، فأريد أن يفعل الآخرون ذلك». وأوضح نيستر أن لجنة الأوراق المالية والبورصة تلقت نحو 60 طلبا خاصا بالحفاظ على سرية الاستثمارات خلال ربع سنوي واحد. وكذلك هناك أسئلة مطروحة حول مدى رقابة لجنة الأوراق المالية والبورصة على هذه البيانات، حيث لم يتم التصدي مؤخرا سوى لشركة استثمارية واحدة هي شركة «كواترو غلوبال كابيتال»، بسبب عدم إعلانها عن وضعها الاستثماري بالشكل المطلوب. وحقق مكتب المفتش العام عام 2010 في طريقة تعامل لجنة الأوراق المالية والبورصة مع طلبات الحفاظ على السرية. وقد اكتشف المكتب أن «أكثر تلك الطلبات التي تم انتقاؤها تفتقر إلى الوثائق والاستمارات الداعمة لها». وقد اكتشف أن اللجنة في بعض الحالات «لم تتخذ قرارا ماليا في الوقت المناسب» بشأن طلبات معينة خاصة بالتعامل السري، مما منح بعض المستثمرين حق الاحتفاظ بسرية تقاريرهم وبياناتهم. وقال كريستوفر هيويت، أحد الشركاء في شركة «جونز داي» للقانون، إنه خلال سنوات تقديم طلبات الحفاظ على السرية، لم يتعين عليه تدعيم أي منها بالوثائق. بالطبع يمكن لبافيت ومستثمرين كبار آخرين تجنب السرية من خلال مراكمة ما يمتلكونه من أسهم خلال الأشهر الثلاثة الفاصلة بين البيانات المقدمة للجنة، لكن بافيت قال إنه في بعض الأحيان تكون هناك حاجة إلى المزيد من الوقت من أجل تدعيم وضعه المالي في شركة ما. لا تعالج مراجعة لجنة الأوراق المالية والأسهم للطلبات مشكلة محتملة أخرى تتعلق بالكشف عن الخطط الاستثمارية، وهي المستثمرون الذين يستخدمون خيارات الأسهم والعقود الاشتقاقية لتغطية وضعهم المعلن، وتطلب اللجنة من المستثمرين الكشف فقط عن وضعهم الاستثماري الكبير، حيث لا يعرف الناس بالضرورة ما إذا كان هذا الوضع محميا أو ربما مضخما بوسيلة أخرى.

ولا تمثل عملية الكشف في حد ذاتها سوى لمحة سريعة، حيث يمكن للمستثمر أن يبيع الأسهم قبل الإعلان عن وضعه بيوم، ويشتريها مرة أخرى بعد موعد طلب الكشف عن وضعه بيوم. بطبيعة الحال الهدف من إجبار المستثمرين والشركات على الكشف عن خططهم الاستثمارية هو الحفاظ على شفافية الأسواق. مع ذلك حين تزيد الحكومة من الغموض في الأسواق، فهي تستحق المزيد من الرقابة.

* خدمة: «نيويورك تايمز»