مصر.. زحمة يا دنيا

TT

مشهد الزحام والطوابير الطويلة على مراكز الاقتراع في المرحلة الأولى لانتخاب أول برلمان في مصر بعد ثورة 25 يناير يتناقض مع الحالة التشاؤمية التي سادت في الأسابيع الماضية، والدعوات إلى تأجيل الانتخابات من بعض القوى - ولو لأسابيع - خوفا من الحالة الأمنية والسياسية في المرحلة الثانية وتأجيل المرحلة الأولى لوقت لاحق.

وقد يكون من الصعب في اليوم الأول من الاقتراع التنبؤ بنسبة المشاركة في التصويت من قبل الناخبين المسجلين، لكن مشهد الطوابير وتقارير المراسلين والمراقبين تشير إلى مشاركة كثيفة قد تفوق نسبة المشاركة في الاستفتاء الذي جرى بعد 25 يناير، وهو ما يختلف عن أي انتخابات سابقة تشير تقديرات إلى أن نسب المشاركة الحقيقية فيها لم تكن تتجاوز 10 أو 15 في المائة. وهو شيء جديد يدل على أن هناك تغييرا حقيقيا جرى في مصر، وأن الناس مستعدة للمشاركة إذا شعرت بأن صوتها ستكون له قيمة.

ولن تكون الصورة كاملة حول المرحلة الأولى قبل إقفال صناديق الاقتراع مساء اليوم، لكن الملامح الأولية تشير إلى أن الناس فاجأوا كثيرين وخرجوا للاقتراع رغم الحالة المتوترة أمنيا نتيجة الأجواء السياسية والأمنية الملبدة بالغيوم التي سبقت الانتخابات.

وقد يكون هذا الجو الملبد بالغيوم هو الذي أدى إلى هذا الإصرار والعزم من الناس على الخروج للتصويت، رغم أن العملية السياسية وسيرها معقد بالنسبة لكثيرين منهم مع العدد الكبير من المرشحين والقوائم الحزبية، وخروج الناس بفئاتهم العمرية المختلفة. والمؤكد أن النسبة الغالبة منهم لم تمارس حق الانتخاب من قبل وهو ما يعكس شيئين: أولا التمسك بأحد المكاسب التي حصلوا عليها بعد 25 يناير، وثانيا - وهو الأهم - التمسك بالأمل في مستقبل أفضل من خلال الرغبة في إنجاح أول خطوة حقيقية في العملية الانتقالية نحو تأسيس شرعية جديدة من خلال أصوات الناخبين.

لا أحد يعرف كيف سيكون شكل البرلمان المقبل بعد عد الأصوات في نهاية المراحل الانتخابية، وكل ما يقال حتى الآن هو مجرد تكهنات، فهي عملية لم تختبر في مصر من قبل مع مشاركة قطاعات كثيرة من الناس وخاصة الشباب في الاقتراع. لذلك فإن هذه الانتخابات - أيا يكن البرلمان الذي سيأتي بعدها - جزء من أهميتها بعد التأسيس لبداية شرعية جديدة هو أنه سيعطي فكرة أوضح عن الخريطة الحقيقية للقوى السياسية والتكتلات في المجتمع المصري بما يعطي الجميع الفرصة لتعامل واقعي وحقيقي معها وليس على أساس افتراضات وادعاءات.

النقطة المهمة أيضا بالنسبة إلى القوى السياسية المتفتتة في عدد كبير من الأحزاب والائتلافات، هو أن الناس ليست سلبية، وأنها على استعداد للمشاركة. وهنا يأتي دور هذه القوى السياسية في أن تعمل مع الناخبين بشكل سياسي وليس شعاراتيا فقط. وإذا سارت العملية الانتخابية بشكل مُرضٍ، فالمفترض أن هذه لن تكون آخر انتخابات، وفرص أخرى بالنسبة إلى القوى التي ستشعر أنها لم تحصل على ما تعتقد أنها تستحقه.

أخيرا، هذه مجرد بداية لأول خطوة على طريق يتوقع أن يكون طويلا، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح وستخلق ديناميكية سياسية بالدفع الذاتي لا يستطيع أحد أن يشكك في شرعيتها.