الدرس الحقيقي المستفاد من العراق

TT

لقد كان التشابه بين برنامج التسلح النووي العراقي السابق والبرنامج النووي الإيراني مثار جدل سياسي لنحو عقد من الزمان. وما زلنا ندفع تكاليف الإخفاق في العراق حتى هذه اللحظة. وتبدو إسرائيل عازمة على ارتكاب أخطاء مماثلة في إيران، فرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يزعم أن التهديد الإيراني الحقيقي لا يظهر للعيان، وأنه من الضروري اتخاذ اللازم قبل أن تفوت الفرصة. وكان الحل الذي قدمه واضحا، وهو شن هجوم موجه. سوف يتفق الكثيرون على هذا التشخيص حتى وإن ترددوا في دعم طريقة العلاج المقترحة.

مع ذلك، تعد هذه المزاعم مضللة من الناحية التاريخية والمنطقية. فلنبدأ بالتاريخ. وتتجلى من خلال تصريحات نتنياهو الأخيرة عن برنامج إيران النووي الحجج التي قيلت عن برنامج التسلح النووي العراقي قبل الغزو الأميركي عام 2003. ويزعم نتنياهو أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) لا يكشف عن كل جوانب الخطر النووي الإيراني، حيث لم يتضمن سوى المعلومات التي تمكنت الوكالة من التحقق منها فقط بشكل مستقل. ويمكن استنباط أمرين من هذا التصريح، الأول هو أن ما توصلت إليه الوكالة غير جدير بالثقة، لذا لا بد من الاعتماد على تقارير أجهزة الاستخبارات التي لا يمكن التحقق من مصادرها. الأمر الثاني هو أن التهديد الإيراني الحقيقي ليس قدرة الإيرانيين على التخصيب، حيث تمثل محاولاتهم لإخفاء معلومات ومفاعلات تحت الأرض دليلا على تنامي هذا الخطر. وقد لعب هذا المنطق دورا أساسيا في نشوب الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق عام 2003.

وبعد تكتم العراق على تنفيذ برامج أسلحة الدمار الشامل في الفترة من 1991 إلى 1995، بدأت المنظمات الدولية وأجهزة الاستخبارات افتراض أن ما لا يمكن التحقق منه أمر سري. فضلا عن ذلك، أدت تحقيقات الأمم المتحدة عما يسمى «آلية الإخفاء العراقية» إلى طرد العراق لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1998. وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، اكتشفنا أن الدخان المنبعث من العراق بلا نار، وتبين صحة تقرير الوكالة عام 1997، الذي أوضح إلغاء برنامج التسلح النووي العراقي قبل وقت قصير من حرب الخليج عام 1991. وأوضح التقرير الأخير للوكالة عن البرنامج النووي الإيراني دراسة إيران لعدة تطبيقات لبرامج التسلح النووي قبل عام 2004. ويشير هذا إلى اقتراب إيران ببطء من امتلاك القدرة النووية. مع ذلك، لا يتضمن التقرير أي إشارة لنار وراء الدخان.

ويستند الحل الذي تقدم به نتنياهو للتعامل مع إيران إلى درس تاريخي من وضع العراق، لكنه مع الأسف درس خاطئ. ودمّر طيارون إسرائيليون مجموعة مفاعلات نووية عراقية كانت على وشك العمل عام 1981. وكتب أفنر كوهين، خبير الأسلحة النووية، مؤخرا في صحيفة «هآرتس» أن هذا القرار كان نتيجة خطأ تفسير رئيس الوزراء مناحيم بيغن للمعلومات الاستخباراتية. والجدير بالذكر أن وزير الدفاع آنذاك، شيمعون بيريس، ونائب رئيس الوزراء، قد عارضا هذا القرار. ويرى الإسرائيليون أن هذا الهجوم كان إجراء صحيحا لعدم السماح للعراق بامتلاك أسلحة نووية. مع ذلك، توضح المصادر التي ظهرت منذ عام 2003 أن الهجوم قد أدى إلى توافق غير مسبوق حول الحاجة إلى سلاح ردع نووي، وتكثيف الجهود من أجل تحقيق ذلك.

وكان العراق على أعتاب امتلاك سلاح نووي قبيل حرب الخليج عام 1991. ويشير ما يُعرف عن برنامج إيران النووي إلى احتمال أن يؤدي مثل هذا الهجوم إلى عواقب مماثلة. ويشير تقدم إيران في برنامجها النووي خلال العقد الماضي إلى عدم وجود توافق حول ما إذا كانت تسعى إلى امتلاك قدرة نووية، ومتى ستتمكن من ذلك إن كان ذلك صحيحا، بينما من الممكن أن تصل إيران إلى مواد قابلة للانشطار لازمة لتصنيع سلاح نووي في غضون أسابيع أو شهور، ربما تتطلب هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر توافقا لا يمكن أن يوجد حاليا في طهران. وتقترب إيران من خيار امتلاك سلاح نووي.

وسيؤدي الهجوم إلى تحقيق هذا التوافق في طهران، عاجلا لا آجلا، وهو الأمر اللازم لتصنيع سلاح نووي. ويزعم نتنياهو أنه من الضروري توجيه ضربة ضد إيران حاليا نظرا لصعوبة القيام بهذه الخطوة، بمجرد بدء العمل في منشأة فوردو النووية. ولا يلتفت هذا الطرح إلى حقيقة بسيطة، وهي أن الهجوم العسكري يزيد من صعوبة هذه المشكلة على المدى الطويل.

في حالة العراق، شتتت المخاوف من احتمال وجود برنامج نووي سري المحللين وصناع القرار عن حقائق على الأرض. أما في حالة إيران، تشير الحقائق على الأرض إلى أن أفضل شيء يمكن القيام به هو مقاومة إغراء الضغط على الزر الأحمر. وسيكون الإجراء المنطقي الذي ينبغي اتخاذه هو تركيز الجهود على ضمان إثناء إيران عن امتلاك الأسلحة النووية. ويعد هذا أكثر النتائج المرجحة لو لم يتم توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. وسوف يؤدي أي اختبار نووي في إيران إلى فرض المزيد من العزلة عليها عن المجتمع الدولي، وهو ما لا يمكن أن تتحمله طهران كثيرا. وستكون السياسة الأفضل لاحتواء الأزمة هي عدم توجيه ضربة عسكرية ضد إيران.

* أستاذ مساعد في جامعة الدفاع النرويجية في أوسلو

* خدمة «نيويورك تايمز»