ماذا عن الربيع الإيراني؟!

TT

ماذا عن الربيع الإيراني أو الفارسي، يبدو أنه سؤال ملح في قراءة ظاهرة التحولات الربيعية التي عادة ما توضع بين أقواس عربية بشكل قسري ليتم تغليف ما يحدث في إطار ونسق مفاهيمي محدد، وهو أن الربيع العربي لم يصب العرب إلا لتشابه الظروف، فكل ما حدث هو نتيجة مسببات طبيعية، لكن حجم الانفجار يختلف من منطقة إلى أخرى بحسب اختلاف رد الفعل والتأثير وقوة تغلغل الأسباب، والحقيقة أن الثورات أو الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي واتخذت شكل الثورة ومنطقها دون صيرورتها التاريخية ومكيانزماتها الداخلية من تجانس الثورة ووحدة الفكرة والهدف هي لمسببات مختلفة تتصل في مجملها بهشاشة الأنظمة المثور عليها وتحولها إلى أقليات صغيرة معزولة عن مجتمعاتها، فمنسوب الحريات أو الوضع الاقتصادي متباين جدا في كل البلدان التي حدثت فيها الثورات، كما أن المسببات التي يتم التحدث عنها إن في اتجاه الحريات والحقوق والقمع والاستبداد السياسي أو في اتجاه تجذر الفقر وتراجع دخل الفرد وكل ما يتصل بالاقتصاد، كل هذه المسببات موجودة بشكل أو بآخر في بلدان غير عربية لم تقم فيها ثورات، كما أنها تتخذ نفس الطابع في بلد كإيران يعاني كثيرا داخليا، لكنه نجح في ترحيل مشكلاته إلى الخارج من خلال اللعب على وتر الهوية الفارسية المستهدفة، التي تتخذ طابعا دينيا حين يتم تصعيدها إلى آفاق طائفية.

من هنا، تبدو إيران بارعة جدا في استثمار السياسة الخارجية لفك الضغط على الداخل، وذلك عبر تفعيل امتداداتها الإقليمية التي تسعى لكسب المزيد من الولاءات في المنطقة، ليس للقضية الشيعية كما يتم تصويره، بل إلى تكريس هوية الثورة الإيرانية التي هي في شقها السياسي مفتوحة باتجاه تحالفات لا علاقة لها بالتوجهات الدينية بقدر التمركز على ممانعة الغرب، وهو شعار جاذب لكثير من الدول ذات الطابع اليساري ولكثير من المنظمات والجماعات الإسلامية وغير الإسلامية.

إذن، هوية الثورة السياسية هي من تؤثر على الأجندة السياسة المتعلقة بالداخل، بعبارة أخرى محاولة ترحيل المشكلات الداخلية وحالة الفشل على المستويين الاقتصادي والسياسي إلى خلق أزمات كبرى في الخارج - من شأنها أن تسهم في تخفيف الضغط عليها، ومن هنا يمكن فهم لماذا توقف أو خفت الربيع الإيراني الذي ولد قبل الربيع العربي واتخذ مسببات مشابهة على مستوى الحريات ووضعية الاقتصاد، وربما أكثر عمقا إذا ما قارناه بحالتي مصر وتونس.

تراجع دور الغرب والولايات المتحدة وربما أدائها السلبي في ما يتصل بالثورات، يرشح تأخر أي عودة للربيع الإيراني إلا في حالة ولادة الصراع الداخلي بين المرشد الأعلى الذي يسعى إلى إلغاء منصب رئيس الجمهورية، والمؤسسات المدنية التي تكافح ضد قرار كهذا، لكن كل هذه الترتيبات السياسية يمكن استيعابها داخل البيت الإيراني دون أن تكون فتيلا لثورة.

الثورة في إيران يمكن أن تولد من رحم المعاناة الشديدة التي يعانيها الداخل الإيراني مع تفاقم فاتورة الاستحقاقات الخارجية التي تبذلها إيران في تدعيم موقفها الخارجي أو تعزيز هويتها السياسية، وسيزداد العبء المادي والمعنوي بالدرجة الأولى في حالة سقوط النظام السوري الحليف الأبرز وصمام الأمان للامتداد الإيراني في المنطقة.

الربيع العربي الذي باركت إيران أجزاء منه واستثنت الحالة السورية انعكس سلبا على وضعيتها في المنطقة التي كانت سلبية، ولكن أقل سلبية لدى فئات عريضة من القوميين والإسلاميين الذين كانوا يرون في إيران العدو الخاطئ، لكنه انعكس إيجابا إلى حد ما باتجاه الصورة النمطية التي تحاول الجمهورية الإيرانية تكريسها منذ قيام الثورة كـ«قوة عظمى أخلاقية»، وقوة تغيير على الصعيد الدولي، وذلك عبر تحدي سياسة الولايات المتحدة الخارجية، فهي تبارك الثورات كقوة تغيير متعالية على أدوات الغرب السياسية في المنطقة، لكن ذلك يجعلها تغفل عن أن تلك القوة الكامنة للثورات غير المحتاجة إلى مساندة خارجية قد تصيب بنارها الداخل الإيراني أكثر من غيره.

الاتكاء على قدرة الخارجية الإيرانية في تلميع صورتها في الخارج، وبالتالي ترحيل مشكلات الداخل لا يمكن لمفعوله أن يكون طويل المدى لأنه سيصدم بدوائر مغلقة تخلقها حالة «العجز» التي تعيشها الأوضاع في الداخل الإيراني، أو ما يمكن تسميته «الأطر المغلقة»، حيث الانقسام والفرز بين تيارين في المجتمع الإيراني، الأول ينظر إلى أولوية الداخل واستقراره في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة، وبين رؤية أخرى تحاول الهروب من قلاقل الداخل وأزماته عبر التشبث، أو حتى افتعال أزمات خارجية يمكن أن تخفف من الاحتقان الذي ينفجر في شكل موجات من التمرد والتظاهر كثيرا ما تخرج عن أهدافها، كما حدث في رد الفعل تجاه الموقف من سوريا التي تحولت كنوبات هجاء للدول المناهضة للحالة الثورية الجديدة المستلهمة لهيمنة إيران الجديدة.

نقد الهوية السياسية الإيرانية أو ما يسمى تجاوزا التشيع السياسي لا علاقة له بالطرح الطائفي التقليدي ذي النزعة العقائدية، طائفية اليوم نسق مغلق ينتمي للمجال السياسي أكثر من كونها محصلة دينية أو عقائدية تشبه إلى حد كبير، طبقا للمفكر برهان غليون «السوق السوداء» في عالم السياسة، وليست مجرد أفكار دينية متشددة، أو تعصب مذهبي له موقفه السياسي المحدود وربما يكون غارقا في محراب التفاصيل غير آبه بالسياسة أو بـ(ساس) و(يسوس) الذي تعوذ منه الإمام محمد عبده ذات مرة!

[email protected]