أول جامعة للصم في العالم

TT

لأول مرة في حياتي أدخل إلى جامعة لا يكاد يسمع فيها الزائر صوتا يذكر سوى وقع أقدام المارة، وصرير الأبواب والنوافذ. كانت هذه هي جامعة كالوديت الأميركية، التي تعد أول جامعة للصم وضعاف السمع في العالم، يرأسها دكتور أصم، ويعاونه نحو أكثر من ألف موظف 40 في المائة منهم من الصم وضعاف السمع. وتعد لغة الإشارة هي لغة التخاطب داخل وخارج القاعات الدراسية.

تملكني شعور غريب وأنا أهم بالدخول إلى الحرم الجامعي، مع وفد خليجي رسمي وجه إلي الدعوة لمرافقته، وفي أثناء ذلك ظهر لنا رئيس الجامعة فصافحنا بحرارة ورحب بنا بلغة الإشارة، وقد بثت فينا بشاشته شعورا بالألفة. جلسنا في الصالة متحلقين حول الرئيس وعدد من طاقم هيئته التدريسية والإدارية من الصم في ما يشبه المؤتمر الصحافي. انطلق السؤال الأول فجلست أفكر كيف سيرد هذا الرئيس الأصم شفاهة، ثم سمعنا فجأة صوتا يترجم إلى الإنجليزية ما قيل بلغة الإشارة!

ثم بدأ الرئيس يتحدث عن منصبه الذي تبوأه بعد مظاهرة احتجاجية كبيرة قام بها الصم في الجامعة عام 1988م، وساعدهم فيها أعضاء الكونغرس الأميركي وعدد من شرائح المجتمع، فتصدرت الحادثة وسائل الإعلام، حيث كانت لدى المتظاهرين قائمة بالمطالب المشروعة في مقدمتها تعيين رئيس أصم للجامعة. ومن أهم نتائج المظاهرة التاريخية أنها أحدثت التفاته كبيرة إلى الصم وذوي الاحتياجات الخاصة، على المستوى الاجتماعي والسياسي، «ففي المدة ما بين 1988 حتى 1993 أصدر الكونغرس قوانين جديدة للصم وذوي الاحتياجات الخاصة، تجاوزت ما صدر في 216 سنة من عمر الولايات المتحدة»، على حد قول السيناتور توم هاركن. ومن تلك القوانين الرئيسية قانون تعزيز وتسهيل الاتصالات، وقانون المعاقين وغيرهما.

وتساءلت: لماذا لا يكون لدينا في كل دولة عربية جامعة تحتضن الصم والمكفوفين وتنمي مواهبهم ليشكلوا قيمة مضافة للمجتمع؟ فجامعة كالوديت التي تقدم برامج متخصصة في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وخرجت منذ تأسيسها عام في عام 1864م أكثر من 18 ألف شخص، تحتاج منا إلى «مظاهرة عربية» مماثلة علنا نظفر بما ظفر به الأميركيون، فنحن كعرب لدينا من الموهوبين ما ينبغي أن نعتني بهم، ليساهموا في دفع عجلة التنمية والاقتصاد، ولتكون همتهم ونشاطهم عبرة لمن يعتبر من الأصحاء الخاملين.

أتمنى من كل وسائل الإعلام العربية والمهتمين تسليط الضوء على هذه النماذج الإيجابية المشرفة في الدول الأجنبية، التي تفوقت حينما أدركت أن الاهتمام بالعنصر البشري، أيا كانت قدراته، هي الخطوة الأولى نحو بناء حضارة يشار إليها بالبنان.

[email protected]