هل أصبح أبو مازن «ممانعا» وغدا مشعل من «الطغمة الأوسلوية»؟!

TT

رغم أجواء التفاؤل التي أشاعها لقاء القاهرة الأخير بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، فإن المصالحة الفلسطينية الفعلية والحقيقية التي تنهي هذا الانقسام؛ الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة الغربية، وبين حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية، المستمر منذ عام 2007، لا تزال غير مضمونة ولا مؤكدة ما دام الكثير من الأمور الرئيسية والأساسية لا يزال عالقا معلقا.

حتى الآن لا يزال خالد مشعل، ومعه كل أعضاء مكتبه السياسي الذين يرافقونه في رحلة المنافي الطويلة المريحة، يستقر في دمشق خلافا لرغبة الإخوان المسلمين السوريين الذين يشاركون بقسط رئيسي في مواجهة عنف نظام بشار الأسد، وحتى الآن ورغم غروب شمس «فسطاط الممانعة والمقاومة» وانكشاف أنه كذبة كبرى؛ بل رغم حالة الفرز التي شهدتها هذه المنطقة بين العرب و«العجم»، فإن علاقات حماس بإيران وبالولي الفقيه لا تزال تبدو متينة وراسخة، وهذا كله يجعل الجزم بإمكانية إنجاز المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية وإنهاء هذا الانقسام الذي أوجع ضمائر الفلسطينيين وضمير كل مؤيد وداعم لقضيتهم العربية القومية المقدسة، مجازفة ومجرد قفزة في الهواء على غرار ما كان يجري في مرات عديدة سابقة.

وبداية وقبل الذهاب بعيدا في التوقعات والتقديرات، التي ترجح التشاؤم على التفاؤل، فإنه ضروري التطرق إلى الأسباب التي دفعت الإخوة «الأعداء» إلى هذه الاندفاعة الوحدوية والتصالحية المفاجئة ودفعت الرئيس محمود عباس (أبو مازن) إلى التعاطي مع هذا الأمر وكأنه «غسل يده» من عملية السلام بعد كل هذا المشوار المحبط وأصبح «ممانعا» أكثر من الممانعين كلهم، وكأن خالد مشعل بعد أن ارتطم رأسه بجدران الواقع أكثر من مرة قد انتقل من خندق المقاومة إلى خندق المساومة وأصبح أقرب منه أكثر ممن كان يسميهم «الطغمة الأوسلوية»!!

وحقيقة أنه لا أبو مازن أصبح «ممانعا ومقاوما» بعد كل هذه السنوات الطويلة من مكابدة الإسرائيليين ومناوراتهم وألاعيبهم، ولا غدا خالد مشعل أوسلويا أكثر من كل الأوسلويين، وأن كل ما في الأمر أن مستجدات المنطقة، بعد انفجار ما يسمى ثورات الربيع العربي التي غيرت وستغير الكثير من الأنظمة والكثير من المعادلات، قد فرضت على الرئيس الفلسطيني مراجعة كل الحسابات السابقة والتخلص من هذا الانشقاق الذي بقي عامل إضعاف لمعركة إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة التي من المنتظر أن تحتدم أكثر مما كانت عليه بعد استقرار كل هذه المتغيرات الشرق أوسطية.

بقي أبو مازن، وهو يخوض معركة قبول فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة وأيضا وهو يخوض معركة إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، يرتطم بعقبة هذا الانشقاق الفلسطيني بين دولة غزة ودولة الضفة الغربية، وبين حركة حماس وحركة فتح، والآن وقد أصبح هناك واقع شرق أوسطي جديد، فإنه لا بد من الإسراع لرتق هذا التمزق ليصبح بالإمكان مواجهة العالم بلياقة حركة تحرر باتت تقف على مشارف الإنجاز التاريخي الذي انتظره الفلسطينيون كل هذه السنوات الطويلة التي سقط خلالها عشرات الألوف من الشهداء وعانى الشعب الفلسطيني أثناءها ما لم يعانه شعب في العالم.

ومقابل هذا، فإن خالد مشعل بدوره قد سمع بإصغاء شديد إلى من نصحه بأن عليه أن لا يراهن أكثر من اللزوم على «فسطاط الممانعة» هذا بعد ما حصل في سوريا هذا الذي يحصل، وأن عليه أن يذهب إلى المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية هرولة، في ضوء انبلاج الأفق أمام الإسلاميين وتوفر اللحظة التاريخية التي بقوا ينتظرونها على مدى أكثر من نصف قرن للوصول إلى السلطة والسيطرة على مواقع الحكم، وأن يخطو خطوة «المشاركة» بالالتحاق بمنظمة التحرير تمهيدا للانتقال إلى خطوة «المغالبة» وعلى غرار ما ينهمك الإخوان المسلمون في إنجازه في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وأيضا في الأردن والمملكة المغربية.

قبل كل هذه التطورات الشرق أوسطية، التي وضعت الإخوان المسلمين في واجهة الأحداث وعززت آمالهم بتحويل هذه المنطقة كلها إلى مجال حيوي لإنجاز كل ما كان يحلمون به ويسعون إليه، لم تكن حركة حماس بوارد الانضمام إلى منظمة التحرير مع أنها كانت قبلت بمبدأ الشراكة في السلطة الوطنية إلى أن تمكنت فانتقلت إلى «المغالبة» وقامت بانقلاب غزة في عام 2007 وأقامت دولتها القائمة الآن. ولعل ما تجدر الإشارة إليه أن خالد مشعل وزملاءه قد رفضوا عرضا من قبل ياسر عرفات، رحمه الله، وكان ذلك حتى بعد الذهاب إلى مفاوضات أوسلو، بأن يبادروا إلى الانضمام إلى هذه المنظمة لقاء حصولهم على أربعين في المائة من مجموع أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الذي يختار أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيسها من بين أعضائه والذي هو المرجعية التشريعية للشعب الفلسطيني كله.

على كل، وفي كل الأحوال، فإنه من أجل أن تصبح أجواء التفاؤل التي أعقبت لقاء محمود عباس (أبو مازن) وخالد مشعل الأخير في القاهرة أمرا واقعا، فإنه لا بد من حسم مسألتين أساسيتين قبل اجتماع العشرين من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل الذي، وفقا لما تم الاتفاق عليه، من المفترض أن تتمثل فيه الفصائل الفلسطينية الحقيقية والوهمية المنضوية في إطار منظمة التحرير، والتي خارجها ومن بينها الثلاثة عشر فصيلا المقيمة إقامة دائمة في دمشق وعلى الرحب والسعة منذ الخروج من بيروت في عام 1982 والتي معظمها قيادات بلا قواعد!!

المسألة الأولى: الاتفاق على كيفية إصلاح منظمة التحرير وعلى شروط واشتراطات انضمام حماس إليها.

أما المسألة الثانية، فهي عملية السلام وضرورة أن تحدد حركة المقاومة الإسلامية موقفا واضحا لا لبس فيه، تحاشيا لأي مفاجآت، من الاعتراف بدولة إسرائيل لقاء ضمان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبالطبع مع حسم مسألة حق العودة أو التعويض وفقا للقرارات الدولية المتعلقة بهذا الأمر.

إن هذا هو ما يجب حسمه سلفا قبل الإغراق في التفاؤل أكثر من اللزوم.. وحقيقة أنه حتى لو تم الاتفاق على كل هذه القضايا الرئيسية التي في مقدمتها مسألة إصلاح وإعادة بناء منظمة التحرير، ومسألة موقف حركة حماس من عملية السلام وبوضوح ودون مواربة وبعيدا عن الصيغ الحمالة للتفسيرات المتعددة، فإن هناك أيضا خطوات التوحيد بين كيانين متباعدين شكلا ومضمونا كيان غزة وكيان الضفة الغربية، وهي خطوات إن لم تحسم مسبقا في هيئة وضع خارطة طريق تنفيذية، فإنها ستكون محفوفة بالكثير من المخاطر، ثم إن هناك الوحدة التنظيمية المنشودة بين كل هذه الفصائل المبعثرة والمتعددة الولاءات والارتباطات والتي كان «أبو عمار» يسميها وحدة «الشَّلَلْ» أي إن تحقيقها على صعوبته، فإنه سيؤدي إلى شَلَل العمل الفلسطيني على الصعيد الدولي، نظرا لأن العديد من هذه التنظيمات مجرد امتدادات رسمية عربية وإقليمية في الساحة الفلسطينية، لكن ومع كل هذا فإنه لا بد من التفاؤل، ولكن بحذر وواقعية ودون مبالغة ولا تقديرات خاطئة.