هل ينتخب المصريون الديمقراطية؟

TT

القاهرة.. كانت الصفوف السلمية الممتدة خارج لجان الاقتراع هنا في صباح يوم الانتخابات حلما يداعب خيال الثوار المصريين الباحثين عن الديمقراطية قبل عام واحد من الآن، إلا أن كل ما توقعوه بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك تحول إلى سراب.

وبعيدا عن انتشار العنف، قد تكون المراحل المتعددة للانتخابات البرلمانية التي تبدأ في الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) وتمتد حتى مارس (آذار) أول انتخابات حرة وذات روح تنافسية تحدث في مصر منذ أكثر من نصف قرن. لكن الانتخابات قد تأخذ البلد إلى منحى مختلف، بدلا من التوجه نحو ديمقراطية ليبرالية.

إن قواعد الانتخابات المعقدة وسوء تنظيم معظم القوى العلمانية يعني أن البرلمان الجديد قد يهيمن عليه الإسلاميون والمؤيدون السابقون لنظام مبارك، الذين ظهروا بأعداد كبيرة يوم الانتخابات. ويقول محمد صقر، أحد المؤيدين السابقين لنظام مبارك، متحدثا عن الإخوان المسلمين، خارج لجنة اقتراع في وسط القاهرة: «إنهم شديدو التنظيم، وشديدو الذكاء، كما أنهم يتمتعون بعلاقات طيبة مع المجلس العسكري». وأخبرني أنه قام بانتخاب حزب الحرية والعدالة.

ولم يتضح ما سيحصل عليه الفائزون من الانتخابات، حيث يسعى المجلس العسكري الحاكم، الذي يرأسه وزير الدفاع السابق في نظام مبارك، إلى الاحتفاظ بالسلطة في كتابة الدستور والنظام السياسي. وحتى الآن لم يوافق المجلس العسكري على السماح للبرلمان الجديد بتشكيل حكومة والقيام بمهام أخرى.

وقبل عشرة أيام، عاد الثوار المحبطون إلى ميدان التحرير، مهد الثورة، وتعهدوا بالبقاء هناك حتى يقوم المجلس العسكري بتسليم مهامه إلى سلطة مدنية، مما أدى إلى مقتل ما يزيد عن أربعين شخصا أثناء صدامات مع شرطة مكافحة الشغب والقوات. إلا أن الميدان، الذي غمرته مياه الأمطار مساء يوم الأحد، بدا موحلا ومهجورا نسبيا في يوم الانتخابات، فقد تركه المتشددون ليذهبوا إلى التصويت في انتخابات يشعرون أنها حُشدت ضدهم.

وأخبرني شادي غزالي حرب، أحد قادة ثوار ميدان التحرير، قائلا: «إننا نشعر أن الثورة قد سُرِقت بالفعل». وقد انحصرت رهاناته هو وغيره من الشباب الليبراليين العلمانيين في أن تتمكن «الموجة الثانية» من الثورة من منع استيلاء الإسلاميين المتنامي على البلاد، أو أن الجيش سيقوم باستعادة النظام الاستبدادي القديم، أو سيكون هناك مزيج سامّ من الاثنين.

ولا يزال هناك دعم شعبي كبير لقضيتهم، حيث احتشد مئات الآلاف من المتظاهرين في ميدان التحرير يوم الجمعة وهتفوا لمحمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأمم المتحدة، الذي يأملون أن يقوم بتشكيل حكومة تحل محل المجلس العسكري. وقد أجبروا المجلس العسكري على تقديم تنازل هام: عندما وعد بتسليم السلطة إلى رئيس مدني قبل حلول يونيو (حزيران) 2012، بعد أن كان سيقوم بتسليمها بعد عام أو أكثر.

إلا أن الليبراليين يعلمون أنهم أقلية، فبعد شهور من الفوضى السياسية والتدهور الاقتصادي، اشتاق الكثير من المصريين إلى الاستقرار، نتيجة ارتفاع معدل الجريمة بدرجة هائلة في القاهرة، حتى إن هناك الكثير من الأشخاص الذين يخشون السير في الشوارع، كما خوت الفنادق السياحية الكبيرة المطلة على النيل. وما من أحد تحدثت إليه في يوم الانتخابات يعتقد أن المجلس العسكري قد أحسن إدارة البلاد، غير أن جميعهم تقريبا ذكروا أنهم يريدون أن يستمر المجلس العسكري في السلطة حتى يتم انتخاب رئيس على الأقل، بدلا من أن يتنحى على الفور كما يطالب المتظاهرون في التحرير.

كما كان هذا هو الحال أيضا في حي الزمالك الراقي، الذي احتشدت فيه صفوف الناخبين، الذين كان غالبيتهم من النساء. وكان جميع الأشخاص الذين تحدثت معهم يدعمون حزب الكتلة المصرية، التحالف الليبرالي الرئيسي. وقالت سيدة في منتصف العمر تدعى رويدا عيد: «لقد ضقنا ذرعا بالأشخاص الموجودين في ميدان التحرير، يكفي هذا، نحن بحاجة إلى أن نعيش في أمان، وأن نعمل حتى نجني المال، إننا بحاجة إلى القوة لاستعادة النظام».

ويقرّ غزالي حرب بأسى أن «الموجة الثانية» من الثورة لم تؤدِّ حتى الآن إلا إلى تقوية المجلس العسكري والإخوان المسلمين، الذين رفضوا المشاركة في المظاهرات الجديدة. وأضاف: «لم يرَ من في التحرير أي نتيجة للموجة الثانية حتى الآن، وهذا يمنحنا سببا للبقاء».

وتشير نظرية المنظمين إلى أن الثورات تقوم بها أقلية نشطة، وليست التجمعات الكبيرة التي قد تذهب إلى انتخاب الإسلاميين أو تمكث في منازلها. وقال شاب آخر يبلغ من العمر 32 عاما: «إن الميدان يمثل جمعا مركزيا يمكنه أن يؤثر على البلد ككل، هؤلاء هم الـ12 مليون شخص الذين يستطيعون التأثير في 80 مليون مصري».

وقد كان هذا حقيقة في يناير (كانون الثاني). أما الآن، والفضل في ذلك يرجع إلى المنفذ الذي قدمته الانتخابات، فيبدو أن الصعاب تقف في وجه الثوار. وقد لا تكون أفضل فرصة لهم هي الإطاحة بالمجلس العسكري، وإنما الانتخابات الرئاسية الموعودة، فإذا ما اكتسب مرشح يتعاطف مع الأجندة الليبرالية زخما، قد تتجه مصر تدريجيا نحو ديمقراطية كاملة.

وقد بدا المصريون، في لجان الاقتراع في القاهرة، متحمسين إلى تبني هذا النظام الديمقراطي. لكن ما من أحد يعلم ما إذا كانوا سيستمتعون حقا بهذا النظام أم لا، لأن ذلك يعتمد على ماهية المنافسة الصعبة بين المجلس العسكري والإسلاميين والديمقراطيين العلمانيين في الشهور الكثيرة المقبلة، في لجان الاقتراع وفي ميدان التحرير.

* خدمة «واشنطن بوست»