العالم العربي تغير.. بلا عودة

TT

تزداد قناعة الناس في العالم العربي، يوما بعد يوم، بأنهم قادرون على ممارسة حق التصويت الديمقراطي متى ما أتاحت الظروف العادلة والسوية لهم ذلك.

فبعد المشهد الانتخابي الناجح في تونس الذي تم بشكل حضاري ودون حوادث تذكر، ها هو المشهد العربي الأكبر في مصر يمر بسلام ونجاح مذهل، وبنسبة مشاركة فاقت التصورات والتحليلات وكل التوقعات، سواء بنوع المشاركة أو بكثافتها ونسبتها العالية جدا، وانعدام المخالفات، وكذلك الحضور الأمني والتزام الناس بذلك بشكل كبير. وكذلك كان الأمر في المغرب الذي شهد هو أيضا انتخابات مثالية ومحترمة نالت نتائجها القبول دون حوادث تعكرها أو اعتراضات تشكك في سيرها. كان العالم العربي تعود لعقود طويلة على انتخابات هزلية لا معنى لها، تظهر مشاهد هي أقرب للاستبداد منها إلى حرية إبداء الرأي والمشاركة الصادقة، فكانت مشاهد مواطنين يصوتون لصالح الرئيس القائد الملهم «بدمائهم» فعلا على ورقة الترشيح، وكانت المظاهرات «العفوية» التي تخرج مع هذه المشاهد شديدة التنظيم لكي تساهم في استمرار غسيل الدماغ الشعبي، لتكريس الحاكم الفرد الذي منه وإليه يكون الوطن والشعب، حتى تحولت «نتائج» الانتخابات إلى أرقام ونسب لا يمكن تصديقها، فتولدت فكرة الـ99 في المائة التي يحصل عليها الرئيس الحاكم أو حزبه، وطبعا هذه مسألة لا يمكن تصديقها بأي شكل من الأشكال، إذ لا يوجد أي مسألة من الممكن أن يتحصل عليها بهذه النسبة المهولة، ذلك وأكثر هو الذي ولد الإحساس بفخر واعتزاز المشاركة الانتخابية والمساهمة في صناعة القرار السياسي فعليا وليس شكليا.

سنوات من الاستخفاف بالشعوب بأنه لا إرادة لها، وأنها غير قادرة ولا مهيأة للديمقراطية، كانت تتردد ليلا ونهارا في السر والعلن، حتى اعتقد الناس أنهم كائنات دونية.

ولكن المشاهد المختلفة حول العالم كانت تبشر بشيء آخر، ها هم الثوار ثم العسكر أتوا للفلبين وتحولت اليوم إلى دولة ديمقراطية فعلا، وكذلك الأمر في أكبر الدول الإسلامية كافة، إندونيسيا هي الأخرى تخلصت من الفساد وتحولت إلى حكم ديمقراطي وبرلماني، إلى حد كبير جدا يعتبر ناجحا وفعالا.

ونفس الشيء حصل في غانا التي حكمها العسكري النافذ جيري رولنغ، ومن ثم اعتزل الحياة السياسية معززا مكرما ليسلمها للحكم الديمقراطي الذي لا يزال ناجحا ومهما وبآثار اقتصادية مذهلة. ونفس الشيء عرفته بنغلاديش، ذلك البلد الإسلامي الكبير الفقير اقتصاديا، والذي عانى في البداية من انقلابات العسكر وحكمهم، إلا أنه الآن يرى حكما ديمقراطيا وتبادلا للسلطة ومحاكمة للفساد والمفسدين.

كل هذه الأمثلة وغيرها من العالم الثالث تحديدا، لدول صغيرة وكبيرة، ومسلمة وغير مسلمة، وغنية وفقيرة، تؤكد أن هناك طبيعة بشرية أساسية وأصيلة وثابتة وقوية، متى ما أعطيت الفرصة كاملة وسوية وعادلة، فهي ستنشد العيش بكرامة وحرية؛ لأن فطرتها تعي ذلك، وتدرك أن هذا حق إلهي منحت إياه من رب العالمين، ولكن حرمت منه باسم الاستبداد والاستعباد والظلم الشيطاني. تونس والمغرب ومصر تضع جميعا المعايير الجديدة للكرامة العربية، حق المشاركة السوية والعادلة في صناعة القرار السياسي، ونهاية عصور الاستبداد والظلم والقمع والذل والمهانة.

اليمن وليبيا سيلحقان بهذا الركب المشرف والمبارك، وستأتي بعدهما سوريا بعد أن يزال من على صدرها النظام المستبد القاتل لشعبه، وينال حريته المستحقة لينضم للأحرار الشرفاء في العالم العربي، الذين قرروا الكف عن التغني بتاريخهم وأمجادهم وأساطيرهم، وأن يصنعوا حاضرا مبهرا يساعد ولا شك في صناعة وتحقيق مستقبل كريم لجيل كبير من الشباب، كانوا لفترة غير قصيرة من الزمن هم وآباؤهم وأجدادهم خارج هوامش التاريخ، وغير محسوبين كأمم منتجة ومعطاء، بل كانوا علة وعالة على العالم. زمن يتبدل وأوان جديد. العالم العربي يتغير.

[email protected]