ما يصح لكل العرب.. يصح لسوريا

TT

إذا كان ثمة مبدأ ثابت في مواقف سوريا من الأزمات العربية، على مرّ العقود الماضية، فقد يكون حرصها على تفضيل الحل العربي لهذه الأزمات على أية حلول أخرى، وخصوصا الحلول الدولية ومخاطرها.

غني عن التذكير بأن رفض سوريا لسلام «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل عام 1978 انطلق من حرصها على الالتزام بحل عربي شامل - لا تسوية دولية - للقضية الفلسطينية. والموقف ذاته اتخذته دمشق حيال الحرب الأهلية اللبنانية وساهمت جهودها، آنذاك، في التوصل إلى تسوية عربية للنزاع الدموي في إطار ما عرف بـ«اتفاق الطائف» (وإن استغلت دمشق الحل العربي لتفرض، في ما بعد، وصاية «أخوية» على اللبنانيين تصح فيها مقولة الشاعر العربي: «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند»).

وتحت هذا العنوان أيضا - أي تفضيل الحل العربي - اندرج موقف سوريا من أسلوب التعاطي مع مشكلة الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، ومن ثم معارضتها، عام 1994، لعرض موضوع انفصال الجنوب اليمني عن شماله على مجلس الأمن الدولي، ورفضها لوساطة الأمم المتحدة بين حزب الله وإسرائيل بعد حرب عام 2006.

ولكن حين يطالب «الأشقاء» العرب بحل «عربي» لأزمة سوريا تنسى دمشق ثوابتها وتتخلى عن مواقفها التاريخية وتتنكر لكل جهد عربي، رغم أن البديل اللائح في الأفق هو التدخل الدولي.

واللافت أنه خلافا لما هو متوقع في أي ظرف مماثل، كلما ازدادت العزلة السياسية للنظام السوري ازداد بطشه العسكري بشعبه. وغير خاف على أي مراقب موضوعي أن حلقة أصدقاء سوريا تتقلص باطراد، وبوتيرة متسارعة، حتى تكاد تقتصر اليوم على روسيا وإيران وامتدادها اللبناني، حزب الله. في الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت 123 دولة قرارا «يدين بشدة الانتهاكات المستمرة، الخطيرة والممنهجة، لحقوق الإنسان من قبل السلطات السورية»، مقابل معارضة 13 دولة فقط.

والصين، المحسوبة حليفة دولية لسوريا، أعلنت في الآونة الأخيرة، أنها «قلقة جدا» من تطور الأحداث في سوريا. ودعت النظام، مرارا، إلى حل أزمته في إطار الجامعة العربية.

أما جامعة الدول العربية، وخصوصا دول الخليج، فتكاد تقطع «شعرة معاوية» مع عاصمة الأمويين بعد موقفها المراوغ من مبادرتها الرسمية.

جارتاها المباشرتان، تركيا والأردن، خرجتا علنا عن صمتهما لتعلن الأولى أنها قطعت الأمل نهائيا بالنظام ولتحث الثانية الرئيس بشار الأسد على التنحي.

وحتى العراق - الذي يخشى من أبعاد التأثيرات المذهبية على وضعه الداخلي جراء تغيّر النظام في دمشق - أصبح يكتفي بـ«التحفظ» على قرار فرض عقوبات اقتصادية عربية على سوريا دون معارضته.

إلا أن الأدهى من ذلك أنه كلما تصاعد الشحن المذهبي للشارع السوري ازداد القمع الأمني شراسة. وفي هذا السياق تعطي أحداث حمص صورة قاتمة، ومقلقة، عن المنزلق الذي قد تبلغه أحداث سوريا الأمنية في حال تفاقمها، علما بأن نظام التدريب العسكري المعمول به منذ الستينات وفر للأجيال السورية الشابة خبرة عملية في استعمال السلاح.

يصعب على أي مراقب واقعي حريص على موقع سوريا العربي أن لا يشعر بأن تفاقم أحداثها الأمنية وعزلتها الدبلوماسية ومتاعبها الاقتصادية بات يتطلب مخرجا عمليا وسريعا من الأزمة. من هنا أهمية مبادرة الجامعة العربية كمخرج متاح يفترض أن تتلقفه دمشق وتتعامل معه قبل فوات الأمان.

يقول مثل إنجليزي معروف: «ما هو جيد لذكر الإوز جيد لأنثاه أيضا».. فلماذا لا يصح لقلب العروبة النابض، سوريا، ما يصح - في نظرها هي - لكل العرب الآخرين.. فتعود بمسؤولية، وواقعية، عن دبلوماسية التهرب من مبادرة عربية أهم بنودها ليس وضع حد لسفك الدماء فحسب بل الحؤول دون تدويل محتمل للأزمة؟