مشروبات الطاقة.. وعموميات التحذيرات الطبية

TT

مشروبات الطاقة energy drinks أحد الاختراعات الغذائية المتوفرة على هيئة عبوات غازية. وقد زاحمت منذ دخولها الأسواق تاريخا يمتد لعشرات السنين تزعمته المشروبات الغازية للكولا وغيرها. وارتفعت مبيعاتها بشكل «صاروخي»، مقارنة بالمشروبات الغازية الأخرى.

ومنذ طرحها عام 1997 في الأسواق الأميركية قدرت الإحصائيات حجم السوق لها بـ 900 مليون دولار في عام 2003 ازدادت إلى 3 مليارات دولار عام 2005. وبين عامي 2005 إلى 2009 ازداد عدد متناولي المشروبات الجدد بنسبة 136 في المائة.

مشكلة مشروبات الطاقة أنها أنواع مختلفة، ويتناولها الشباب بطرق مختلفة، ذلك أن منها ما يحتوي على مكونات لا غبار عليها صحيا وبكميات معتدلة يتقبلها جسم الشخص البالغ، ومنها ما يحتوي على كميات عالية من المواد الضارة عند تناولها بتلك الكميات العالية. كما أن هناك منْ يتناولها ممزوجة بكميات مختلفة من المشروبات الكحولية، ما يُؤدي إلى تأثيرات صحية أكبر ضررا من مجرد تناول المشروبات الكحولية منفردة أو تناول مشروب الطاقة منفردا.

وتصدر من آن لآخر دراسات وتقارير طبية حول التأثيرات الصحية لتناول مشروبات الطاقة، وهذا أمر مفيد. ولكن ما هو غير مفهوم، ويحتاج إلى بحث من الأوساط الطبية، التحويرات الصحافية والتجارية لنتائج تلك الدراسات ومضمون محتواها العلمي، إما في اتجاه التحذير من تناولها أو مزيد من الدعاية لها.

وبداية ليس بالضرورة أن يكون كل شيء جديد من «الاختراعات» الغذائية ضارا، كما أن على الوسط الطبي ألا يدخل بدراساته وبحوثه ضمن أطراف صراعات الشركات المتخصصة في الصناعات الغذائية وتنافسها في تسويق منتجاتها.

دعونا نستعرض أحد التقارير الصحية الحديثة الصادرة في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن «الإدارة الأميركية للخدمات الصحية النفسية والإدمان» U. S. Substance Abuse and Mental Health Services Administration SAMHSA، وذلك حول مشروبات الطاقة. وهو التقرير الذي تناولته الأوساط الصحافية بطريقة تخالف مضمونه العلمي، والتي كانت عناوينها الصحافية مثيرة ومن شاكلة «أعداد زيارات قسم الإسعاف بسبب مشروبات الطاقة تحلق في السماء».

ووفق ما قاله التقرير، أن ثمة ارتفاعا بمقدار عشرة أضعاف في عام 2009 لحالات التفاعل الجسدي والنفسي نتيجة لتناول مشروبات الطاقة مقارنة بما كان عليه الحال عام 2005. وتحديدا، تسجيل ما بين 123 مليون زيارة لأقسام الإسعاف بالمستشفيات الأميركية في العام، بلغت أعداد منْ اضطروا لزيارتها بسبب تناول مشروبات الطاقة نحو 13 ألف حالة، أي بنسبة 0.001 في المائة. ومعلوم وفق الإحصائيات المتقدمة الذكر حول حجم السوق، أن هناك نموا مطردا في الاستهلاك، مما يعني بداهة أن المقارنة هي مع «الفارق» بين زيارات الإسعاف بسبب تناول مشروبات الطاقة بين عام 2005 وعام 2009، خاصة أننا نتحدث عن آلاف من بين ملايين الزيارات الإسعافية.

ولاحظ التقرير أن نحو نصف تلك الزيارات الإسعافية حصلت بعد تناول مشروب الطاقة ممزوجا بأحد المشروبات الكحولية أو المواد المخدرة الإدمانية. وأن 75 في المائة من هذه الحالات لدى منْ هم بين سن 18 و38 سنة، مما يعني أن مشكلة مزج مشروبات الطاقة مع المشروبات الكحولية هي مشكلة غالبها بين صغار الشباب.

كما لاحظ التقرير أن العنصر المشترك في مكونات جميع أنواع الماركات التجارية لمشروبات الطاقة، هو الكافيين. واعترف التقرير بحقيقة مهمة وهي أن مشروبات الطاقة ليست سواء في محتواها من الكافيين، وأن الكمية تتراوح ما بين 80 إلى 500 ملغم كافيين في كل عبوة من أنواعها المختلفة. وأن العبوات المماثلة من مشروبات الكولا الغازية تحتوي على كمية 50 ملغم كافيين، وأن كوب القهوة العادي بنفس الحجم، أي 250 ملليلترا، يحتوي على نحو 100 ملغم من الكافيين.

والواقع، أن الملاحظات الصحية على تناول الشباب والمراهقين لمشروبات الطاقة، هو كمية الكافيين. وهذه المشكلة مفهومة باعتبار أن الإرشادات الطبية تنصح بعدم «الإفراط» في تناول الكافيين، والسبب احتمالات تأثر البعض، وليس الكل، بالكميات العالية من الكافيين. ووفق ما تشير إليه كثير من المصادر الطبية، يُمكن للأشخاص الأصحاء البالغين تناول كمية «معتدلة» من الكافيين يوميا، أي نحو 300 ملغم كافيين في اليوم. وهذا ليس من المحتمل أن يتسبب لهم بمشاكل صحية. إلا أن «الإفراط» في تناول الكافيين يكون عند تناول كمية تتجاوز 600 ملغم في اليوم. ومع هذا هناك أشخاص لديهم «حساسية» من الكافيين لدرجة أن تناولهم كميات قليلة منه، أي أقل من 150 ملغم، قد يُؤدي بهم إلى التوتر النفسي والأرق وسرعة نبضات القلب وغيرها.

وما نحتاجه في الوسط الطبي هو الاعتدال في النظر إلى الأمور ووفق ما تدل عليه نتائج الدراسات الطبية التي تتم قراءة نتائجها بشكل صحيح. كما أن الترجمة الصحافية لنتائج الدراسات الطبية يجب أن تكون بعيدة عن الإثارة، وتلتزم الواقعية وفق المعطيات العلمية التي تتوصل إليها تلك الدراسات الطبية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]