سنة أولى ثورة!

TT

المصريون لا يزالون يحاولون تفسير الانتخابات الأخيرة، أو الجولة الأولى منها على الأقل، فهم لا يزالون يحاولون معرفة ما إذا كان الذي حصل لهم في الشهور الماضية هو ثورة أم انقلابا عسكريا.. وهل ما تتجه إليه البلاد الآن هو دولة مدنية أم دولة دينية؛ فهم اليوم يواجهون مراجعة كبيرة لتاريخهم المعاصر ويكتشفون أن «ثورة» 1952 لم تكن إلا انقلابا عسكريا بقيادة مجموعة من الضباط كرسوا بعدها حكما عسكريا مستبدا أعاق البلاد وقيد تنميتها وحد من حريات الشعب فيها، واليوم يستيقظ المصريون على خطاب ديني «جديد» عليهم مليء بالتنطع والتشدد والتطرف الذي لم يعهدوه ويعرفوه إلا في الحالات الشاذة جدا، ولكن ها هو اليوم «يدخل» البرلمان رسميا ويصبح جزءا من الحياة السياسية المعقدة، ويعتمد هذا الخطاب الديني مرجعيات وآراء وفتاوى «مختلفة» و«مغايرة» لما يصدر عادة من الأزهر ودار الإفتاء الرسمية، مما يعني أن هناك مسائل شائكة ومعقدة ستكون موجودة ومستحدثة على الساحة تتعلق بالأنشطة الاقتصادية وحقوق المواطنة لغير المسلمين وحق المرأة وغير ذلك من المسائل الحساسة.

ولعل أبرز نتائج الانتخابات حتى هذه اللحظة هو «غياب» رموز الثورة من شباب ميدان التحرير الذين صنعوا الثورة فعليا وضحوا لأجلها، لم ينالوا أي حظوظ للآن في أي ترشيح، مما ولد إحساسا لديهم بأن الثورة قد خطفت منهم بامتياز وحرمتهم حقهم فيها، وأن النتائج التي آلت إليها العملية الانتخابية هي مقدمة «لشكل» البلد القادم، وهو مختلف تماما عن أهداف الثورة الأساسية التي قامت من أجلها، ولكن هم أيضا يعلمون تماما أن صندوق الانتخابات هو الفيصل والحكم.

وعلى الرغم من وجود الشكاوى والاعتراضات والنقد لبعض المخالفات التي حصلت خلال التجربة الانتخابية، فإن فكرة الاعتراض عليها ومحاولة إفهام الناس أن التيار الديني اكتسح الانتخابات وفاز على التيارات الأخرى هو أشبه بمن يقول إن برشلونة العملاق وفريقه الكروي الفذ هزم نادي الزمالك لأن الحكم كان سيئا! فالتيار الديني يعد العدة منذ عقود طويلة من الزمن وجهز الأرضية المناسبة للانطلاق متى سمحت الظروف بذلك، والآن هو يجني الثمار بشكل واضح مع الكيان الحاكم العسكري في مصر، واليوم هناك مظاهر في مصر (سياسية واجتماعية) تظهر أن هناك تغيرا مهما سيحصل، وأن الناس قبلت بالنتيجة، ولكن التيار الديني سيواجه أرتالا من التحديات؛ وأهمها المعضلة الاقتصادية وكارثة الفقر والبطالة والتنمية الاقتصادية، وهذا هو الذي سيكون معيار النجاح الحقيقي له، بمعنى آخر أن الشعب سيراقب مدى النجاحات والتطورات التي ستحدث في هذه المسائل، سيراقب الاستثمارات الأجنبية ومعدلات البطالة ونسبة كفاءة التصدير ومعدلات الدخل الوطني وغيرها من المعايير الاقتصادية؛ هذا هو المحك الحقيقي. وطبعا سيكون هناك مراقبة لمنظومة العدل ومحاربة الفساد وتطبيق المواطنة بلا محسوبية ولا محاباة.

المصريون أطلقوا سيلا من النكات استقبالا لنتائج الانتخابات الأولية كعادتهم في كل المسائل التي يواجهونها، ولعل ألطفها كان أن المصريين لديهم قديما شكوى من السيدة الأولى والآن سيكون لديهم أربع، في دعابة طريفة عن تعدد الزوجات المنتظر لكبار المسؤولين في الحكومة المصرية القادمة. ولكن واقع الأمر يوضح أنه لا مجال للنكات والطرائف، حيث إن الحمل ثقيل والعبء مهول والهم كبير وحماس المصريين وإيمانهم بالثورة قد يصدم أمام الطموحات الشخصية والمآرب الخفية وتبقى الأيام لتكشف كل ذلك.

[email protected]