سوريا.. اختبار للمنطقة

TT

في أعقاب الحصار المفروض على سوريا من قبل جامعة الدول العربية، يواجه نظام حزب البعث عصرا جديدا. وثبت أن سوريا إزاء أصعب اختبار في الربيع العربي، حيث وصلت حاليا لنقطة اللاعودة. ورغم السياسات الغربية خلال الأعوام الخمسة أو الستة الماضية والتي كانت تعمل على فرض العزلة على نظام بشار الأسد، حاول النظام السوري البقاء من خلال مساعدة تركيا له، فقد ألقت تركيا لسوريا حبل النجاة لتنقذ نفسها من الفوضى من خلال زيارات أردوغان لسوريا وكذلك زيارات داود أوغلو التي بلغت 61 زيارة، لكن الأسد لف الحبل حول عنقه.

ما يحدث في سوريا أمر مؤسف للشرق الأوسط. مع ذلك من المفارقة أن تعد هذه الأحداث نموذجا لاختبار سياسي فارق. لقد انقلبت الأوضاع السياسة في المنطقة رأسا على عقب خلال عام واحد فقط. الوضع الحالي للمعارضة السورية هو نفسه وضع الحكومة العراقية منذ ثمانية أعوام، فاللاعبون العراقيون أنفسهم، الذين عانوا من المذابح إبان حكم حزب البعث بزعامة صدام حسين، والذين اشتكوا من سوريا خلال فترة ما بعد الاحتلال بل وطلبوا وساطة تركيا عندما زادت التوترات، هم من يدعمون اليوم نظام الأسد.

على الجانب الآخر، وجهت لإيران الكثير من الانتقادات بسبب الصمت على المذابح التي ارتكبت في حماه خلال السنوات الخمس الأولى من الثورة الإسلامية. والآن تخفق إيران في اختبار حماه الثاني. لقد خاضت إيران أكثر حروب القرن العشرين دموية مع نظام آخر لحزب البعث، لكنها ترى الآن أن بقاء النظام السوري «مصلحة قومية». ويواجه لاعبان آخران الاختبار وهما حزب الله وحماس اللذان يعدان جزءا من «محور المقاومة» في الشرق الأوسط. وغض حزب الله، بوجه خاص، طرفه عن المذابح التي يرتكبها نظام الأسد وطالب ببقاء النظام، مما شكك الناس في شرعية حزب الله وشعبيته التي اكتسبها على مدار 30 عاما من صراعه مع إسرائيل. وتواجه حماس، من جهة أخرى، ضغوطا كبيرة وتحاول جاهدة الخروج من مستنقع سوريا دون مماطلة.

من المفارقة أن الضرر الواقع على هؤلاء اللاعبين من انحيازهم لحزب البعث خلال الأشهر القليلة الماضية كان أكبر من الضرر الواقع عليهم من إسرائيل خلال الثلاثين عاما الماضية. وتعبر إسرائيل بوضوح عن عدم ارتياحها للثورة المصرية التي تعد نقطة فاصلة في الربيع العربي. لقد وضعت إسرائيل خططا تقوم على «نظام مبارك من دون وجود مبارك» في مصر. مع ذلك خابت توقعاتها، وبالتالي بدأت إسرائيل تفكر في كيفية مواجهة سوريا من دون نظام حزب البعث بدلا من إضعاف الأسد.

وبدلا من التعامل مع ما يحدث في سوريا حاليا، تهتم الولايات المتحدة بأن أيا كان الطرف الرابح، فلن يكون الولايات المتحدة. ومع انهيار الأنظمة، التي عملت كعازل يفصل بين الولايات المتحدة وشعوب المنطقة، الواحد تلو الآخر في ظل الربيع العربي، تحاول الإدارة الأميركية تحديد كيف يمكن للحركات الشعبية أن تغير النظام الذي تم إرساؤه بعد معاهدة كامب ديفيد.

وتمثل تركيا الخط المحدد للشرعية. فقد عارضت في الماضي فرض العزلة والحصار على سوريا، بينما تؤكد الآن على ضرورة اتخاذ الخطوات الشرعية من أجل وضع حد لما يرتكبه نظام الأسد من مذابح. وتعبر تركيا بوضوح عن معارضتها لأي تدخل غربي في سوريا خشية أن يؤدي إلى احتلال على شاكلة الاحتلال الأميركي للعراق. مع ذلك، طالما تشاطر الشعب السوري المعذب بآلامه ومعاناته، فسوف تتفادى أزمة الشرعية التي يواجهها اللاعبون الفاعلون الآخرون في المنطقة. وقد ثبت على مدار التاريخ أن الشرعية هي الأهم دائما.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية