رحم الله القذافي.. لقد كان يسلّينا

TT

كنت إلى وقت قريب من أجهل عباد الله (بالتقاويم) وعلم الحساب، فلا أعرف من الشهور (الشمسية) أو الميلادية سوى الأول من شهر (أبريل) لأنه ارتبط عندي بالكذبة المشهورة، و(سبتمبر) لأنه أكثر شهور السنة كآبة حيث ينتهي فصل الصيف وكل ما فيه من شواطئ وليال ملاح، و(31) ديسمبر تحديدا لأنه ارتبط عندي (برأس السنة) التي ينفلت فيها رأسي من عقاله، فلا أميّز ليلتها (كوعي من كرسوعي).

أما عن الشهور (القمرية) أو الهجرية، فلا أعرف منها غير شهر (رمضان) لأنه شهر الصوم وعيد الفطر، و(ذو الحجة) لأنه شهر الحج وعيد الأضحى.

أما ما عدا ذلك فلا تسألوني، لأنني حقا (ناقة الله وسقياها).

وهذا الجهل المدقع كثيرا ما أوقعني بمطبات لا أول لها ولا آخر.

ولكنني قبل مدة عقدت العزم على سد هذه الفجوة المحرجة التي أضاعت علي الكثير من المصالح والمواعيد، وبدأت أتعلم من (أول وجديد) وكأنني تلميذ مبتدئ في الصف الثالث الابتدائي، وأخذت أحضر المراجع وأقرأ وأحفظ وأتمعن.

واتضح لي أن الأشهر التي يعمل بها أهل الشمال من العرب إنما هي أصلها يهودي، فكانون الثاني هو يناير، وشباط هو فبراير، وآذار هو مارس، ونيسان هو أبريل، وأيار هو مايو، وحزيران هو يونيو، وتموز هو يوليو، وآب هو أغسطس، وأيلول هو سبتمبر، وتشرين أول هو أكتوبر، وتشرين الثاني هو نوفمبر، وكانون أول هو ديسمبر.

غير أن ما مخول عقلي وجعلني أقع في (عيص بيص) هي الأشهر التي تفتقت بها قريحة القذافي الموسومة حسب التتابع: بشهر النار، والنوّار، والربيع، والطير، والماء، والصيف، وناصر، وهنيبال، والفاتح، والتمور، والحرث، والكانون.

واكتشفت كذلك أن العرب (القدماء جدا) قبل الإسلام كانت لهم مسميات أشهر قمرية غير التي نعرفها الآن؛ فشهر محرم كان يسمى عندهم (المؤتمر)، وصفر (ناجر)، وربيع الأول (الخوّان)، وربيع الثاني (الصوّان)، وجمادى الأولى (الحنين)، وجمادى الآخرة (الرنى)، ورجب (الأصم)، وشعبان (العازل)، ورمضان (الفاتق)، وشوال (الواغل)، وذو القعدة (الهوّاع)، وذو الحجة (البركة).

وإنني أحمد الله الآن بعد أن فتح علي سبحانه وأصبحت ملمّا بجميع أسماء أشهر السنة، والدليل على ذلك أنني أكتب لكم هذا المقال في الرابع من محرم، الموافق الرابع من (المؤتمر)، والموافق 29 من نوفمبر، الموافق 29 من تشرين الثاني، الموافق 29 من (الحرث).

وإن نسيت فلا يمكن أن أنسى أن القذافي عارض أيضا (التقويم) الذي اعتمده عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابتداء من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستبدله ببداية وفاته، وعلى هذا الأساس وبحسب (تقويمه) فنحن الآن لسنا في سنة 1433 هجرية، وإنما نحن في سنة 1422 (وفاتيه)!!

رحم الله القذافي، لقد كان بالفعل يسلّينا.

[email protected]