النموذج الأميركي في الإصلاح!

TT

تغادر القوات الأميركية العراق، بعد أن احتلت البلاد وقالت إنها حررت البلاد من الظلم والفساد.

إذن نحن أمام تجربة أميركية في تحديث نظام عربي بالقوة المسلحة، بحيث يصبح العراق المجتمع النموذج للمشروع الأميركي للدولة العصرية.

دعونا فقط نتحدث عن هذا «المجتمع النموذج» بعد سنوات من الحكم الأميركي، في مجال واحد، وهو مجال نزاهة الحكم والنظام الإداري الحكومي. يقول تقرير منظمة «الشفافية الدولية» إن العراق أكثر الدول العربية فسادا في نهاية العام الماضي. ويأتي ترتيب العراق في تطبيق معايير النزاهة والشفافية في ذيل القائمة، أي رقم 178، متأخرا عن دولة مثل إيران بـ32 مركزا!

ويأتي العراق في المركز رقم 127 في النمو الاقتصادي، بينما جميع الدول العربية تعلوه في النمو ومتوسط الدخل، وهو ليس أفضل إلا من اليمن والسودان. ويبلغ متوسط دخل الفرد العراقي في تقارير العام الماضي 3548 دولارا سنويا، بينما يبلغ دخل المواطن التونسي 9454 دولارا، رغم أن تونس ليست دولة نفطية وكانت تعاني من حكم بن علي!

لذلك كله أتحسس مسدسي كلما سمعت الخارجية الأميركية أو البيت الأبيض أو أي مسؤول أميركي يعطينا دروسا في نماذج الحكم التي يجب أن نلتزم بها.

لقد قامت الولايات المتحدة - ولأول مرة - باحتلال دولة عربية احتلالا كاملا بأكبر جيش مدجج بجميع أنواع السلاح وبفريق هائل من خبراء إعادة بناء الدول والمجتمعات والأنظمة الاقتصادية، وأنفقت فاتورة تعدت ثلاثة تريليونات دولار ولم تستطع أن تدفع بـ«النموذج العراقي» للدولة العصرية خطوة واحدة للأمام.

أصبح المجتمع العراقي، بعد الاحتلال الأميركي، أكثر عنصرية، وأكثر تطرفا، وأكثر تشددا، وأكثر مذهبية.

بعد الاحتلال الأميركي أصبحت الأقليات في خطر، وبدأت طوابير الشعب العراقي العريق تقف على أبواب السفارات، خاصة بعد تفجير الكنائس العراقية. بعد الاحتلال الأميركي، أصبح العراق الذي كان مهد الحضارات وأقدم المشاريع التي عرفها التاريخ في فكرة الدولة الموحدة، أكثر قابلية للتقسيم ما بين سنة وشيعة وأكراد.

بعد الاحتلال الأميركي، أصبحت بغداد عاصمة الرشيد ومهد التنوير والثقافة والفنون والعمارة العربية، مهددة بطمس الهوية العربية لصالح الهوية الفارسية إلى الحد الذي أصبحت معه بعض المعاملات الحكومية بين بعض الدوائر تتم بالفارسية والكردية بدلا من العربية!

إذن، كان هذا هو النموذج الأميركي للإصلاح.. فما أحلى التخلف والاستبداد!