أحسن فرصة

TT

متابعة لمقالتي السابقة «لا داعي للقلق»، أعلق على موجة الرعب التي سرت بين العلمانيين، لا سيما في مصر، من شبح تسلم الأحزاب الإسلامية الحكم، فأستشهد بالمثل الإنجليزي الذي يقول: «أعطِ خصمك ما يكفي من الحبل ليشنق نفسه». عانت مصر بصورة خاصة النشاط السياسي والفكري للإخوان المسلمين. وكان من حلقاته حريق القاهرة في عهد عبد الناصر. من آخر حلقات هذه السلسلة ما جرى في ساحة التحرير في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني). عملا بذلك المثل الإنجليزي، أقول: سلموهم ما يصبون إليه، وهو الحكم. المعروف عني التشكيك في كل شيء، لكنني لا أشك في هذا الشيء، وهو فشل الأحزاب الإسلامية حيثما ستتسلم الحكم. وبفشلهم في مصر سينتهي أمرهم لغير رجعة. مشاكل البلاد العربية أعمق وأعوص من أن تحل بقيم القرون الخوالي. إدراك ذلك سيعطي شعوبنا الصحوة الحقيقية من أوهامها ويفرض عليها احتضان قيم العصر الحديث.

بيد أن لي كلمة أيضا أسوقها للإسلاميين: طالما هاموا بمزج الدين بالسياسة فأمامهم رسالة مهمة يمكنهم أن يضطلعوا بها من دون خلق مشاكل واضطرابات وزعزعة الاقتصاد الوطني. والرسالة هي القيام بدور المعارضة من دون توسيخ أيديهم بوساخات الحكم وتعريض الدين والإيمان لمطبات الفشل والشك. وجود معارضة قوية من أركان الحكم الديمقراطي. سبق لي أن قلت عند فوز حماس في انتخابات غزة، فحذرتهم من تسلم الحكم. فهذه منظمة تؤمن بتحرير جميع التراب الفلسطيني وباستعمال السلاح لتحقيق ذلك.. هذان شعاران لا يمكن لسلطة شرعية أن تتبناهما وتعمل في ظلهما. طالما كان هذا مبدأهم فالأفضل لهم أن يقفوا جانبا ليواصلوا العمل المسلح بعيدا عن السلطة، مثلما فعل الصهاينة المتشددون في الأربعينات. حالما خلطت حماس بين الاثنين صبت إسرائيل حممها عليهم فلم يبقَ لهم غير أن ينقلوا الصراع إلى صراع مع إخوانهم في الضفة.

بالنظر لشعبية الإسلاميين الآن بين الجمهور، فبإمكانهم أن يلعبوا دورا حيويا في كشف عيوب الحكام والساسة وتنوير الشعب بالتجاوزات ومناقشة برامج الأحزاب والحكومة وتعبئة الجمهور للمطالبة بالإصلاحات وتنفيذها. بإمكانهم رصد ما يجري بأموال الدولة وأين تذهب وتصرف. هذه كلها أهداف شرعية تعتبر جزءا من تعاليم الإسلام والشريعة. وبسبغها بنور الإسلام ستكتسب قوة دافعة بين الجمهور لا تملك السلطة غير أن ترعاها وتدخلها في حساباتها. وتكون المعارضة الإسلامية قد لعبت دورا نظيفا مشكورا في خدمة الشعب، بدلا من تعليم الشعب المراوغة والتناقض الذي جرهم إليه سعيهم للحكم ونيل الأصوات ومسح جوخ الدول الغربية. وكلها من أوساخ الحكم ومن جنابات السياسة.

يقولون إنهم نبذوا العنف. هذه فرصة جيدة لتبني أساليب الجهاد المدني (اللاعنف) وتلقين وتدريب الجمهور عليها، وبالتالي إبعادهم عن أساليب الإرهاب والقتل والتخريب. بإمكانهم أيضا تعليم الجمهور الابتعاد عن السلبية التي نعيشها الآن والتطوع للخدمة العامة، السهر على البيئة، رعاية الضعفاء، إعانة المحتاج، إسعاف المرضى، مكافحة الأمية.. هذه مهمات تغرس في النفوس حب الخير واحترام الأحزاب الإسلامية.