«مندوبنا في بيروت»

TT

تمتلئ بيروت هذه الأيام بمعارض الكتب وأجنحتها، من «معرض الكتاب العربي» الذي بدأ تقليدا قبل 55 عاما، إلى معارض الكتب الإنجليزية والفرنسية. وهذه متعة شاقة حقا، مهما كنت تعرف دربك بين الأجنحة والمؤلفين. من سوء حظي أنني أصبت بإعياء قبل افتتاح المعرض بثلاثة أيام. وقيل لي إن المسألة إرهاق عابر وسفر كثير وقطارات على طائرات على تاكسيات باريس. وبسبب ذلك نسيت الكتب كلها إلا واحدا؛ لأنه يفترض أن يقدم مؤلفه النسخة الأولى إليَّ.

عنوان الكتاب الصادر بالإنجليزية هو «مندوبنا في بيروت». وقد قرأت أجزاء كثيرة منه. وقد سألت المؤلف إذا كان يريد مني أي ملاحظات، فأجاب باعتذار وحسم: هذا كتاب عن «بيروتي» التي عمرها عشرة أعوام وليس عن «بيروتك» وما مر بها من دهور وما مر عليها من أزمان.

كان المؤلف على خطأ؛ فهو يقيس التطور والتغير بمعايير لندن التي ولد فيها قبل 29 عاما. نسي أنه لا شيء يتغير في لبنان، وأن لبنان عبارة عن «لازمة» واحدة في أغنية من العصر الفينيقي. على أن المسألة الآن لم تعد ذلك الخلاف البسيط في النظر، بل هي في هذا العيار المرفق باليأس. فقد وعدت بأن أحضر. وربما يتوقع كثيرون من أصدقاء المؤلف وأصدقائي، أن يروني هناك.

لكن على الرغم من جميع فحوصات الطوارئ الشاملة - والحمد لله ثم الحمد لله - فما زال الوهن يمنعني من الوقوف إلا بمساعدة.

أجرت «إل بي سي» و«إم تي في» مقابلتين مع «مندوبنا في بيروت». وبدا الرجل طليقا بالعربية مع أنه ولد في لندن. وعندما سئل عن عمود الكتاب تبين لي أن هذا ما كتبت قبل 50 عاما عن ضياع اللبنانيين وسلوكهم؛ لذلك حرص على أن أحضر التوقيع، ليس من أجل النسخة الأولى بل من أجل أن أفحمه بأن من كان أكبر منك بأربعين عاما، يعرف بعض الدنيا أكثر أربعين مرة.

لي نحو 15 مؤلفا، ليس فيها ملون سوى الغلاف. أما «مندوبنا في بيروت» فصور ملونة من الأولى إلى الأخيرة. وصلت متعبا إلى التوقيع، وغادرت مبكرا. وقد وقعت كتبا كثيرة من قبل، لكن هذا أول كتاب يصدر باسم نصري عطا الله، وهو يكتب بأسلوب ساحر، بالإنجليزية والفرنسية، لكنني واثق من أنه سوف يضع، عما قريب، كتابا بالعربية.

هل تريد أن تعرف ماذا كانت مشاعري عندما حاول أن يخفي دمعتيه؟ أنا لم أستطع ذلك. ولِمَ الصمود؟ أرد ذلك في أي حال. فلماذا يخفي الأب هذا الكم من الفرح؟