في مصر.. مين يكسب؟

TT

لا يزال علماء السياسة ومحللوها يحاولون قراءة المشهد الانتخابي الأخير في مصر، وتعريف وتوصيف أبرز الأسباب التي أدت إلى النتائج الأولية وأظهرت فوزا كبيرا للأحزاب الدينية، وتحديدا «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور التابع للسلفية، وحزب «الوسط» المنشق قديما عن «الإخوان المسلمين»، و«الجماعة الإسلامية» وحزبها المسمى «البناء والتنمية». وأظهرت النتائج أن «الإخوان المسلمين» وحزبهم «الحرية والعدالة» قد استعدوا جيدا لهذه المعركة الانتخابية، وأن حنكة السنين وتجاربها والاطلاع والتمعن في تجارب الآخرين والاستفادة الجيدة جدا منها أتت بثمارها كما يبدو جليا.

ولكن النجاح الانتخابي الأخير لا يمكن أن يجير ويحسب لصالح كبار مفكري جماعة الإخوان المسلمين مثل حسن البنا أو سيد قطب أو حتى أبو الأعلى المودودي، وهو من المشايخ الذين تأثر بهم «الإخوان المسلمون» بشكل كبير كما هو معروف ولكن بشكل غير مباشر.. بل يبدو أنه لصالح شخصية مثل مايكل بورتر، جهبذ فن التسويق الشهير الذي ذاع صيته عالميا وفند أساليب ووسائل التأثير في عوالم الأعمال والنمط الاستهلاكي فيها، لأن أسلوبه هو الذي أدركته تماما جماعة الإخوان المسلمين وسعت إلى تنفيذه حرفيا وكتب لها النجاح فيه، بداية من الشعار الخاص بالجماعة وهو «الإسلام هو الحل».

ولنتمعن جيدا في هذا الشعار البسيط المباشر، فهو لم يقل الدين هو الحل، أو التدين هو الحل، لكنه قال الإسلام هو الحل، من دون الدخول في تفاصيل «هوية» الحل وتفاصيل أي تطبيقات له وهو المليء بالمشارب والآراء والمذاهب. يذكرني ذلك الأمر بالشعار العبقري لشركة الأحذية والملابس والمستلزمات الرياضية العملاقة «نايكي»، والتي لديها شعار بسيط وواضح جدا لكنه في غاية القوة والفعالية والتأثير، وهو بالإنجليزية «just do it» والمعنى بالعربية هو «فقط افعلها»، وهذه أقرب ترجمة للمعنى، بمعنى «أقدم على الموضوع وافعله». وبات هذا الشعار مضربا للأمثال ويدرس كحالة نجاح قياسية في كليات الأعمال المرموقة المتخصصة.

وأدركت جماعة الإخوان المسلمين بحزبها وقياداته السياسية أهمية الإعلام بكل وسائله، واستعملتها جيدا، فكثفت الظهور على البرامج الفضائية بكل أشكالها الغربية منها والمحلية والإقليمية بعد أن كانت لديها تحفظات بالغة على الكثير منها، لكنها تغاضت عن ذلك وبدأت تظهر وجوها شابة بدلا من «عواجيز» بلغوا من الكبر عتيا لا يمكن أن يخاطبوا الجيل الجديد. وأبلغ مثال على ذلك هو المتحدث الرسمي لحزب الحرية والعدالة أحمد أبو بركة، وهو حليق بلا لحية ولا شوارب، ويعتني بمظهره، ويرتدي الأزياء الأنيقة، ويمارس دور «المعالج الإعلامي» أو كما يسمى بـ«Spin Doctor»، فيقوم بتوضيح وتبرير وعلاج أي أزمة مواقف وتصريحات للإعلام في كبسولات مختصرة بلغة محترمة ومهنية مثل أعتى الأحزاب في الغرب السياسي. وهذا كله على العكس تماما من حزب النور، الذي يطلق عليه حزب «مين طفى النور»، والذي تبدو على خطابه الرعونة وقلة الحنكة والنضح والتصادم والعداء الواضح وهو الذي يتمثل في إطلاق قادته لتصريحات واتخاذ مواقف تثير الفزع والسخرية في آن واحد، مثل الإعلان عن الجزية بحق الأقباط في الصعيد، وهدم التماثيل والأضرحة، ومحاولة الاستعانة بآراء شرعية «أخرى» غير آراء الأزهر ودار الإفتاء، واتهام رموز مصرية بأسوأ العبارات والصفات.

الشخصية المصرية خليط عجيب من الصفات، فالمصري يعشق صوت عبد الباسط عبد الصمد وأم كلثوم وتراتيل النقشبندي وأفلام فاتن حمامة ومباراة الأهلي والزمالك والصيف في الإسكندرية والجلوس على المقهى وقراءة رواية لنجيب محفوظ وغير ذلك. ومحاولة «فصل» كل ذلك بالقوة والإكراه لن تنال القبول، ويبقى المعيار هو كرامة الفرد وليس التسلط عليه، وتأمين علمه وليس حجر عقله. التجربة الانتخابية في مصر حتى الآن تدرس في علوم التسويق والسياسة بين مايكل بورتر وميكافيلي مؤلف كتاب «الأمير» في علوم السلطة، لأن المشهد السياسي القادم على سلطة الدين في مصر والوكالة الحصرية له بدأ يشتعل بين «الحرية والعدالة» و«النور»، وهذا فصل آخر تماما!

[email protected]