كيف ساهمت البنوك في أزمة المال العالمية؟

TT

إن كنت تريد أن تفهم السبب وراء الشعبية التي حظيت بها حركة «احتلوا وول ستريت»، من المفيد الاستماع إلى المصرفي السابق جيمس ثيكستون. يقر ثيكستون بأنه ومصرفيين آخرين مسؤولون إلى حد كبير عن الفوضى في قطاع الإسكان. وأضاع ثيكستون، كنائب رئيس لفرع «تشيس هوم فاينانس» في جنوب فلوريدا، المال على أصحاب القروض العقارية. ومنح فريقه عام 2007 قروض رهن عقاري بقيمة ملياري دولار، ولم يستلزم منح بعضها تقديم أي ضمانات. وقال: «لم يتضمن الطلب توضيح الوظيفة أو الدخل أو ما تملكه من أصول. مع ذلك، كان تتم الموافقة عليه». وأضاف: «يمكن لسيدة عجوز تسير في الشارع ولديها سجل ائتماني نظيف أن تحصل على قرض». ويوضح ثيكستون أن المقترضين كانوا يتخذون قرارات حمقاء رعناء وبالغوا في قيمة ما يحصلون عليه من دخل، لكن الذنب يقع على المصرفيين بالأساس، وكل هذا بسبب ضغط من الأعلى.

وأضاف: «كان يمكن لشخص يجني 20 ألف دولار شراء منزل بقيمة 500 ألف دولار، معتقدا أن بإمكانه سداد القرض. لقد كان هذا ضربا من الجنون، لكن المصارف جمعت البرامج معا لمنح مثل هذه القروض». وعندما كانت تتم عمليات توريق مالية للعقارات ويتم بيعها لمستثمرين، كان كبار المصرفيين يغضون الطرف عن الطرق المختصرة. وأوضح أن كبار الشخصيات في تلك المؤسسات كانوا يعرفون ذلك، لكنهم كانوا يظنون أنهم سيجنون المليارات من وراء ذلك، فلماذا الاهتمام إذن، فالحكومة ستنقذهم، بينما ستكون القروض التي بها مشاكل بعيدة عن هنا، وربما تكون حتى خارج البلاد.

وأكثر ما يؤلم ثيكستون هو حصول بعض المسؤولين عن الحسابات على عمولات أكبر من القروض التي تمنح دون ضمانات كثيرة وبسعر فائدة كبير يفوق سعر الفائدة على القروض التقليدية بسبعة أمثال. لذا، كانوا يبحثون عن مقترضين أقل ذكاء وتعليما وليس لديهم تجربة سابقة في قروض الرهن العقاري أو لا يجيدون الإنجليزية ودفعوهم إلى الحصول على قروض بشروط ميسرة. وكان أكثر هؤلاء المقترضين من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية أو اللاتينية، على حد قوله. وانتهى الحال بهؤلاء إلى دفع سعر فائدة مرتفع، وبالتالي كان من المرجح أن يخسروا المنازل التي اقترضوا من أجل امتلاكها في ما بعد. وبدا كبار المسؤولين في المصارف مدركين لهذا المزيج غير الملائم من تلك الأعراق، لذا عمدوا إلى التمويه. وأطلعني ثيكستون، الذي تملأ الجوائز التي حصل عليها من «تشيس» مثل «مدير مبيعات العام» الأرفف، على تقييم الأداء الخاص به لعام 2006. ويوضح أن 60 في المائة من تقييمه كان يعتمد على زيادة القروض التي تتضمن مخاطرة كبيرة. في نهاية عام 2008 عند انهيار سوق الرهن العقاري، تم تسريح ثيكستون وأكثر زملائه، لكنه يؤكد أنه لا يكن أي ضغينة تجاه «تشيس»، لكنه يعتقد أنه من الظلم أن يتم إنقاذ المصارف المتعثرة، بينما يتم التخلي عن أصحاب المنازل. وعندما طلبت تعليق مصرف «جي بي مورغان تشيس» على هذه الرواية، لم ينف وجود حسابات قروض رهن عقاري غير عادية. وأقر المتحدث الرسمي باسم المصرف بارتكاب المصارف أخطاء جسيمة، وأشار إلى أن «تشيس» لم يعد يمنح قروضا بشروط رهن عقاري ميسرة أو من دون ضمانات. وكذلك قال إنه عرض على أصحاب المنازل تعديلات في شروط الرهن تقدر بأربعة أمثال عدد المنازل التي تمت مصادرتها.

مع ذلك، زادت قروض الرهن العقاري لـ28 في المائة من المنازل التي حصل عليها أميركيون عن قيمتها الحقيقية، بحسب موقع «زيلو» الإلكتروني للعقارات، مرتفعة بذلك عن 23 في المائة خلال العام الماضي. وهذا يؤدي إلى خنق الاقتصاد، حيث من الصعب تدعيم الانتعاش الاقتصادي ما لم يتم إنعاش مجال العقارات والإنشاءات. وزاد التركيز على هذا الأمر خلال الأسبوع الحالي، حيث نشرت مجلة «بلومبيرغ ماركيتس» تحقيقا رائعا يستند إلى سجلات الإقراض المأخوذة من مصرف الاحتياطي الفيدرالي في إطار قضية. وتبين أن مصرف الاحتياطي الفيدرالي ضخ مبلغا كبيرا قدره 7.8 تريليون دولار، بما يعادل أكثر من 25 ألف دولار لكل أميركي، في المصارف لإنقاذها من الانهيار. وبحسب التقديرات التي ذكرها المقال، حققت المصارف أرباحا قدرها نحو 13 مليار دولار من خلال إعادة إقراض هذا المال إلى مؤسسات ومستهلكين بأسعار فائدة أعلى. لا يمثل هذا التصرف فضيحة، بل ربما يكون نصرا. لقد قام مصرف الاحتياطي الفيدرالي بكل شيء لتفادي حدوث كارثة مالية وقد نجح، حيث عادت الأموال مرة أخرى.

ما كان يمثل فضيحة بحق هو الظلم البيّن الذي اتضح بعد ذلك، وهو أن الحكومة الفيدرالية أنقذت المصرفيين الذين يتقاضون رواتب مرتفعة من عواقب قراراتهم المتهورة، وحمت حاملي أسهم المصارف والدائنين، في حين أدارت ظهرها للأميركيين الأكثر ضعفا وأقل ثقافة ووعيا. وصادرت المصارف خلال العام الماضي فقط ما يزيد على مليون منزل. بالتأكيد، هناك بعض البرامج التي تساعد المقترضين المتعثرين، لكنها ليست كافية. ولم نتخذ بعد خطوات أساسية مثل السماح لقضاة قضايا الإفلاس بتعديل شروط قروض الرهن العقاري في حالة المنازل الأساسية، لكن لم يصدر بعد التشريع الخاص بهذا الأمر. كنت أقرأ وابنتي «عناقيد الغضب» لشتاينبك بصوت عال، وبدت مظالم عصر الكساد الكبير شبيهة كثيرا بمظالم اليوم. لهذا، كان لحركة «احتلوا وول ستريت» هذا الصدى الواسع. ما قامت به الحكومة الفيدرالية من مساعدة المصرفيين المخطئين وتضييق الخناق على أصحاب المنازل ليس فقط ضارا بالاقتصاد، بل أيضا خطأ.

* خدمة «نيويورك تايمز»