بريطانيا والأسلوب الجديد لتحفيز النمو

TT

في يوم الثلاثاء، أصدر وزير المالية البريطاني، جورج أوسبورن، بيانه الخريفي. وكان من بين ما أعلن عنه في البيان برنامج ضمان قروض بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني للمساعدة في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج استثمار في البنية التحتية رأسماله 30 مليون جنيه إسترليني. ويهدف كلا البرنامجين إلى تقديم حافز نمو، بزيادة محدودة في النفقات الحكومية. ونظرا لأن برنامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعتمد على ضمانات حكومية وليس على نفقات غير مشروطة، فإن أوسبورن قادر على الحفاظ على موقفه المالي، وفي الوقت نفسه توفير التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقليل تكاليف الاقتراض فيها. ببساطة، سيدعم برنامج الاستثمار في البنية التحتية الذي طرحه أنشطة البناء، وسيحسن البنية التحتية، ولكنه يعتمد بالأساس على الاستثمار الخاص، مع تمويل قيمته 10 مليارات جنيه إسترليني فقط من الحكومة.

ورغم ذلك، فإن هذا الاعتراف بأن القيود المالية ليست كافية وحدها لتعزيز الانتعاش الاقتصادي تطور مهم، ويحظى بالقبول. لقد كان أوسبورن من بين أقوى المؤيدين لفكرة أن التقشف المالي وحده سيسمح بالعودة إلى تحقيق النمو الاقتصادي من دون اتخاذ إجراء إضافي من جانب الحكومة. وقد تمثل أسلوبه ثنائي الاتجاه في التعامل مع الأزمة المالية في الاستمرار في سياسة التقشف المالي، مع مشاركة بنك إنجلترا في إجراءات التسهيل الكمي.

ويمكن النظر إلى هذا التغيير الجزئي في التركيز كرد فعل تجاه عجز استراتيجية التقشف المالي وحدها عن تحقيق النمو الاقتصادي، وفي يوم الاثنين، قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بخفض توقعها لنسبة نمو إجمالي الناتج المحلي للمملكة المتحدة في عام 2012 من 1.8% إلى 0.6% وشددت على «الحاجة الماسة لمزيد من الدعم، لأن القوى المضادة قوية». وخفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعها لنسبة نمو إجمالي الناتج المحلي في منطقة اليورو في عام 2012 من 1.6% إلى 0.2%. وفي يوم الثلاثاء، خفض مكتب مسؤولية الموازنة، هيئة الرقابة المالية المستقلة في المملكة المتحدة، توقع نمو إجمالي الناتج المحلي للمملكة المتحدة في عام 2012 من 1.7% إلى 0.7%، وهذا التوقع المعدل مشروط بإيجاد حل لأزمة منطقة اليورو.

وتمثل سياق آخر مرتبط بقرار أوسبورن في فشل مزاد أقيم الأسبوع الماضي لبيع سندات للحكومة الألمانية الاتحادية في جمع المبلغ المطلوب، وربما يكون فشل هذا المزاد قد أطاح بفكرة أن التقشف المالي وحده كاف لتحقيق الثقة للأسواق، وفي حالة ألمانيا، نموذج الاستقامة المالية، ربما تكون المخاطر والمشكلات الهيكلية في منطقة اليورو قد فاقت الجدارة الائتمانية الأساسية لألمانيا، وفي حالة المملكة المتحدة، ربما يدفع عدم النمو الأسواق إلى فقدان الثقة في وقت ما.

ربما يكون أوسبورن قد قلل من قدر التأثير الضخم لعمليات تسديد الديون بهدف تسوية القوائم المالية على احتمالات النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة.

ويسلط تقرير أصدره بنك التسويات الدولية مؤخرا الضوء على الزيادة الهائلة في ديون القطاع غير المالي في الفترة من 1980 إلى 2010 في عدد من أسواق الدول المتقدمة من بينها إنجلترا، ويخلص إلى أنه فوق حد معين، يعمل الدين كعقبة تبطئ النمو، ويشير التقرير إلى أنه في الفترة من عام 1980 إلى 2010، زادت قيمة القروض الممنوحة من المؤسسات المالية للهيئات والمؤسسات غير المنتمية للقطاع المالي في المملكة المتحدة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي من نسبة 160% إلى 322%. وفي إطار مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، جاءت المملكة المتحدة في المرتبة الثانية بعد اليابان، بنسبة إجمالي قروض ممنوحة من المؤسسات المالية لهيئات ومؤسسات غير منتمية للقطاع المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي قيمتها 456%، لكن تماشيا مع المتوسط لكل الاقتصادات المتقدمة الثمانية عشر التي شملها التقرير. انظر سيتشيتي وموهانتي وزامبولي، «التأثيرات الحقيقية للدين»، سبتمبر (أيلول) 2011.

وبلا جدال، كان النمو في إجمالي الناتج المحلي للمملكة المتحدة (وإجمالي الناتج المحلي للكثير من الاقتصادات المتقدمة الأخرى) خلال هذه الفترة مدفوعا بارتفاع مستويات الدين. وبعد وصوله إلى مستويات حرجة، بدأ هذا الاتجاه ينعكس الآن. وتتمثل دلالات ذلك في أنه ليس من المرجح فقط أن يقل معدل النمو طويل الأجل في المملكة المتحدة مع الزيادات المحدودة في ديون الحكومة والأسر والشركات، وإنما أيضا أن المعوقات المباشرة على النمو، مع تقليل الحكومة والشركات والأسر حجم ديونها، من المرجح أن تكون خطيرة.

ربما تظهر فكرة التركيز على النمو بأسلوب جديد في منطقة اليورو، مع إدراك الحكومات والناخبين أن برامج التقشف المالي وحدها ليست كافية لتحقيق النمو. وفي حالة ما إذا حذت تلك الخطط البديلة للنمو حذو المملكة المتحدة وركزت على تشجيع الاستثمار الخاص في البنية التحتية، فسيتعين على الكثير من الحكومات التنافس على جذب استثمارات من المجمع النقدي المتاح. ويعتبر أسلوب المملكة المتحدة في الاقتراض من صناديق التقاعد معقولا، لأنه يسعى إلى التوفيق بين الطبيعة طويلة الأجل والمستقرة لأصول البنية التحتية وآفاق الالتزامات (الديون) والاستثمارات طويلة الأجل للمستثمرين. وتعتبر صناديق الثروة السيادية مصدرا آخر متاحا للحصول على رأس المال اللازم لتمويل برامج البنية التحتية، حيث إن صناديق الثروة السيادية لديها أيضا آفاق استثمار طويلة الأجل، وربما تكون المملكة المتحدة قد اتخذت خطوة البداية، ببدئها السباق وتمتعها بمكانة «الملاذ الآمن» المفضلة من قبل الكثير من المستثمرين الدوليين. ورغم ذلك، فإنه ليس ثمة أي عقبة تمنع الحكومات الأخرى من تصميم وتنفيذ برامج بنية تحتية مناسبة لجذب تمويل من صناديق الثروة السيادية ومستثمرين دوليين آخرين. ومن الممكن أن تصبح برامج الاستثمار في البنية التحتية المشار إليها التطور المميز لهذا العقد، تماما مثل عمليات الخصخصة التي ميزت أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين. إنها فكرة جديدة وقابلة للتطبيق ربما تسمح للحكومات المقيدة ماليا بتحفيز الاقتصاد وتطوير وإحلال البنية التحتية غير الكافية، مع الاستمرار في التقشف المالي.

* المدير العام لشركة «إميرجينغ غروث إنفستمنت بارتنرز»

(إي جي آي بي)، شركة استثمارات بحي المال في لندن