دم الشهداء في رقبة الغرب

TT

إنني من أنصار التدخل الخارجي في إطار الأمم المتحدة لرفع الحيف والشقاء عن شعب مظلوم. بيد أن هذا مبدأ لم تكتمل صياغته بعد فأصبح رهن هوى القوى الغربية ومصالحها. تتدخل في العراق وليبيا لأن فيهما نفطا ولا تتدخل في بورما أو كوريا الشمالية لأنه ليس فيهما ما يغري الناظرين. وقع السوريون في هذا المطب. تصوروا أن الغرب سيطبق ما فعله في ليبيا بالنسبة لحمايتهم أيضا. تضاعف حماسهم بعد أن رأوا كيف ضربت الطائرات الغربية قافلة القذافي وأوقعته في أسر الثوار. انتظروا أن يفعل الغرب شيئا مشابها مع بشار الأسد، أو على الأقل حمايتهم من قواته. نادى زعماؤهم بإعطاء السوريين ملجأ آمنا على نحو ما جرى في كردستان في عهد صدام حسين. وحتى كتابة هذه السطور لم يبد الغربيون أي نية لفعل مثل ذلك. وأعتقد أنهم أوقعوا السوريين في ورطة، فلولا هذا الأمل لما تمادى الثوار في تحدي النظام.

لم تفعل أميركا حتى ما فعلته في مصر وتونس في تحذير القوات المسلحة من التدخل وتحييدها، مما فتح الطريق أمام الثوار وأجبر الرئيسين على الرحيل. تتحمل أميركا بصورة خاصة مسؤولية ما جرى في سوريا. فعندما ناشد النظام الثوار بالاستسلام دعاهم أوباما إلى عدم التسليم له دون أن يعدهم بأي دعم حقيقي. وكان مثله في ذلك مثل من وصفهم سعد زغلول في قوله: «إن في الناس ناسا إذا رأوا ضاربا يضرب ومضروبا يبكي، قالوا للمضروب لا تبك قبل أن يقولوا للضارب لا تضرب».

ولكن عدم وجود ثروة نفطية كبيرة في سوريا لا يفسر لوحده هذا البرود الأميركي. هناك عوامل استراتيجية أخرى. إنني دائما أفتش في أي مشكلة شرق أوسطية عن الدور الإسرائيلي فيها وفي صياغة القرار الأميركي بشأنها. قبل بضعة أيام، أعرب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس القسم السياسي من وزارة الدفاع الإسرائيلية عن رأيه بأن سقوط الأسد سيؤدي لتسلم الإخوان المسلمين الحكم. وهذا سيعني ظهور إمبراطورية إسلامية تحيط بإسرائيل من كل الجهات، سوريا ولبنان ومصر والأردن. مما يشكل خطرا على إسرائيل. وكما نعرف، أن إسرائيل حظيت بهدوء تام على الجبهة السورية طوال حكم الأسد. لم يعد من مصلحتها تغيير النظام في دمشق. ولهذا لم تلعب تل أبيب دورها في حث أميركا على التدخل.

يجرني ذلك إلى تذكير القراء بما سبق وقلته في أن الأحزاب الإسلامية السياسية أصبحت حجر عثرة في طريق التغيير والتطور في العالم الإسلامي. فالكل يخافون من وقوع الحكم بيد «الإسلامجية».

رأينا في سوريا أن الأقليات، الكرد والنصارى مثلا، لم ينضموا للثورة بشكل فعال. وهذا شأن كل الأقليات في العالم الإسلامي. وكما جرى في العراق، أخذ المسيحيون يتركون البلد. وربما سيحصل شيء مشابه في سوريا عند سقوط الأسد. كما أن العلمانيين والليبراليين واليساريين سيحذون حذوهم ويهاجرون. بعيدا عن ذلك، لا تشعر القوى الغربية بحماس كبير لمساندة حركات تأتي بـ«الإسلامجية» للحكم.

كلمة واحدة أقولها لهم: «يا جماعة، أعطونا فرصة. اعملوا معروف وحلوا عن ظهرنا!».