لماذا لا يتحدث الإنجليز الألمانية؟

TT

شكا سفير ألماني سابق في لندن من أن البريطانيين يصرون على ربط ألمانيا بالفترة النازية التي استمرت 12 عاما، وما من أحد يهتم بأن هذه بلاد غوته وشيللر وبيتهوفن. واكتشف أن 97 في المائة من الألمان يعرفون الإنجليزية و25 في المائة يتحدثونها بطلاقة فيما لا يتحدث الألمانية سوى واحد في المائة من البريطانيين. وتدعو الحكومة الألمانية المؤرخين البريطانيين والفنانين في محاولة لتحسين صورة البلاد واجتذاب السياح، لكن البريطانيين لا يزالون «يفضلون الشواطئ الإسبانية على القلاع والقصور الألمانية».

هل أستطيع التدخل في الأمر؟ أحب أن ألفت نظر الألمان إلى قول للهر بسمارك، موحد البلاد، عندما سئل أواخر القرن التاسع عشر، ما أهم أحداث القرن، فقال: «أن أميركا الشمالية تتكلم الإنجليزية». لو كنت تعيش في طقس بريطانيا لفضلت دفء إسبانيا على القلاع الألمانية الرائعة. أما لماذا واحد في المائة من البريطانيين فقط يتحدثون الألمانية، فلأن 97 في المائة من الألمان يتحدثون الإنجليزية.

لكن من حق ألمانيا المطالبة بالخروج من سمعة الحقبة النازية. لا يمكن إلحاقها بها إلى الأبد مع أنها كانت 12 عاما تضمنت إعلان الحرب العالمية الثانية ومهاجمة روسيا وإبادة بولندا واحتلال فرنسا وقصف بريطانيا، على أنغام بيتهوفن وقوافي غوته، من دون أن ننسى ألحان فاغنر.

ثمة ميل طبيعي لدى البشر إلى التمسك بالوصمة والإصرار على الحساب. وكل منا يستسهل إطلاق النعوت على شعوب بأكملها ولو بعد مرور مئات الأعوام على صدورها. وإذا تشاجر أحدنا مع سائق تاكسي مصري، ردد على الفور: «أرضها ذهب و... و...». يوم دخل الأميركيون بغداد دون مقاومة صدف أنني كنت في مطار بيروت، فتقدمت مني سيدة لا أعرفها وقالت: «شو قولك؟ الحجاج معو حق؟» ولو انتظرت قليلا لرأت أنه لم يكن على حق.

كثيرون من أصدقائي العرب يفضلون ألمانيا على أي بلد آخر. وأكثرهم يتحدث بشغف عن جمال ميونيخ. ومنذ عشرين عاما وأنا أمني النفس برحلة إلى برلين لكي أمضي ما أستطيع من وقت في ظلال التاريخ. يعتقد الألمان أنهم شعب مميز إلا المرحلة التي ساروا فيها خلف فنان فاشل ونمساوي معقد. ولعلهم على حق. لا شيء مثل الإتقان الألماني. وجمال الشعر الأحمر ليس بسيطا. والمستشار فيلي برانت كان يدعو ضيوفه إلى الغداء في مكتبه، للتوفير. أما المستشار هلموت شميت فكان غداؤه تفاحة خضراء، يضرب اليد التي تمتد إليها.