الإسلاميون بين الدعاية والحقيقة

TT

في مقالي أمس تطرقت لمقولة تدعي أن الحركات الإسلامية لم تجرب في الحكم، وأنها ديمقراطية. قدمت نماذج لأحزاب إسلامية، مثل الجبهة الإسلامية التي حكمت في السودان وحماس في غزة. وهناك في المنطقة أيضا «الخمينية» التي تحكم بشكل مطلق في إيران، وحزب الله يشارك في الحكم في لبنان، وغيرهم.. جميعهم أخذوا فرصا طويلة عبر الانتخاب مثل حماس، أو بالاستيلاء مثل الخميني والجبهة الإسلامية في السودان. وبالتالي، لدينا ممارسات تؤكد أن هذه الحركات المؤدلجة ادعت الديمقراطية وعندما وصلت إلى عتبة الحكم أظهرت أنها مجرد حزب ديكتاتوري يرفض الآخر، ويريد الهيمنة المطلقة.

ولا أعني بذلك أن الأحزاب الإسلامية ليست من حقها الاستفادة من الربيع العربي، مع أنها صعدت على أكتافه ولم تكن طرفا فيه أصلا، مثل الإخوان والسلفيين في مصر، وكذلك النهضة في تونس. الحقيقة لا ديمقراطية حقيقية من دون أحزاب إسلامية، لأنها قوة لا يمكن تجاهلها على الأرض، كما أن إشراكها في العملية السياسية يحقق هدفين مهمين؛ الأول آني، وهو ضمان الاستقرار لأنها قادرة على التخريب، والثاني طويل المدى، حيث إنها بالمعاشرة والممارسة قد تطور خطابها السياسي وسلوكها العام فتصبح حزبا مهذبا يؤمن بالديمقراطية عن حق، لا عن انتهازية.

منذ سقوط حكم بن علي في تونس ومبارك في مصر، انبرى كثيرون يطرحون نظرية أننا في زمن الإسلاميين الذين حرموا من فرصة الحكم، وفوق هذا، يزعمون أن صورتهم شوهت حتى يتكالب العرب والغرب لمنعهم من المشاركة السياسية. وسارعت قيادات الأحزاب الإسلامية تزين صورتها للغرب، فأطلقت تصريحات تدعي أنها لن تحرم لبس البكيني، ولن تلاحق شاربي الخمرة، وستقبل بالمرأة في الولاية العامة، والمسيحي رئيسا للجمهورية. طبعا هذا كلام يندرج تحت بند العلاقات العامة ولا يصدقه إلا جاهل بالمنطقة ومنطق الأحزاب الدينية. ولو كانت دعوى الإيمان بالحريات صادقة، فإنه يعبر فقط عن رأي بعض القيادات، أما غالبية قيادات وكوادر هذه الجماعات، فإنها تعتبر تطهير المجتمع واجبها الأول، ولن يطول الزمن حتى تنقلب على القيادات المتسامحة.

المجتمعات العربية تمر بمخاض صعب قد ينجب ديكتاتوريات أخرى باسم الديمقراطية، كما حدث في إيران. وبالتالي لا يمكن الاكتفاء فيه بقراءة النوايا أو تصديق التصريحات الدعائية. وإذا كانت هذه المجتمعات التي سارت بعيدا من أجل بناء مستقبلها السياسي، مثل تونس ومصر وسوريا والمغرب، تريد حقا نهجا ديمقراطيا ومنح الفرصة لكل القوى السياسية، بما فيها الإسلامية والعروبية، فإنه يتوقع منها بناء دولة، بدستور يحمي الحقوق، وجيش يؤمن بأن واجبه أن لا يحكم؛ بل يحرس المؤسسات الديمقراطية، القضاء والبرلمان، ويحمي ممارساته من أي انقلابات عليه.

ها نحن نرى في مصر، ومن أول جولة، كيف فشل المجتمع، عسكر وسياسيون وثوار، في تطبيق قواعد التنافس الشريفة.. فرغم أنه كان يحظر على الأحزاب الدينية المتنافسة استخدام الدين والمساجد في أغراضها الانتخابية، فإنها جميعا فعلت، فحشدت ملايين المصوتين لصالحها عبر آلاف المساجد ووسائل الإعلام، تخوف الناس من الليبراليين والأقباط.. النتيجة نحو 65% من الأصوات كسبها الإسلاميون! إذن أين الديمقراطية؟

[email protected]