هل آمن السلفيون المصريون بالديمقراطية؟

TT

أبرز مشهد في نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية التي لا تزال أمامها مرحلتان تمثلان ثلثي الناخبين تقريبا، هي النسبة المفاجئة التي حصل عليها التيار السلفي السياسي والتي وضعتهم في المركز الثاني مباشرة بعد الإخوان المسلمين، وبنسبة تعادل تقريبا ما حصلت عليه التيارات والأحزاب الليبرالية واليسارية.

السلفيون أثاروا ذعرا ليس فقط للتيارات السياسية الأخرى المختلفة مع الإسلام السياسي، ولكن حتى للتيار الإسلامي الرئيسي وهو الإخوان المسلمون؛ أولا بالنسبة المرتفعة التي حصلوا عليها والتي تقترب من ربع أصوات المقترعين في المرحلة الأولى والتي لم يتوقعها أحد، وثانيا بتصريحات رموزهم المثيرة للاستغراب والتي فتحوا فيها المعركة مبكرا حول أمور استقر عليها العقد المجتمعي في مصر حول حقوق المرأة والحريات الشخصية والسلوكيات في المجتمع، وحتى رموز الثقافة المصرية مثل أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ، وهو ما ينبئ ببرلمان معارك فكرية وسياسية طاحنة إذا استمر أداؤهم بهذا الشكل في المراحل المقبلة.

هناك دهشة في الوسط السياسي، نعم، وهناك إحباط من النتائج أيضا لدى البعض. فالثوريون ومؤيدوهم نسبتهم قليلة، وإذا كانت الانتخابات أظهرت قوة جديدة تشكلت في الشهور الأخيرة مثل الكتلة المصرية التي تمثل تحالفا لأحزاب ليبرالية ويسارية، فإن حزب السلفيين هو أيضا جديد وعمره شهور وحقق نتائج أعلى، فماذا حدث؟ وهل هناك ما يدعو للذعر؟ أو على حد ما تقول النكت السوداوية في أن مصر انقسمت إلى حزبين هما التكفير والهجرة، والتفكير في الهجرة؟

هناك ما يقلق بالتأكيد في ما يتعلق بشكل وهوية الدولة المصرية في الفترة المقبلة، فهذا هو أول برلمان بعد إطاحة النظام السابق، وهو الذي سيكون في المسؤولية عند مناقشة الدستور الجديد الذي سينظم قواعد اللعبة السياسية والحريات إلى آخره، وإذا لم يعكس توافقا مجتمعيا يقبل به الجميع فإن الصراع المقبل سيكون عنيفا ومدمرا.

لكن ينبغي النظر إلى النصف الآخر من الكوب، ولا يدعو إلى الاستسلام لحالة الإحباط، فقد أثبتت التجربة والشهور الماضية أن المواقف السياسية تتغير، وأن لا أحد بعيد - بما في ذلك السلفيون المصريون رغم ما يطرحونه من أفكار متشددة - عن التغيير في أفكاره وأقلمة نفسه سياسيا مع متطلبات المرحلة والعصر وما يقبله المجتمع.

بداية، فقد غير تيار السلفيين المسيسين في مصر مواقفهم وأفكارهم منذ 25 يناير، ولا بد أن ذلك جاء تحت ضغط الرأي العام والشارع. فهم في البداية كانوا ضد الثورة وخروج الشباب إلى الشوارع، باعتبار أن ذلك يناقض موقفهم الفكري في عدم الخروج عن الحاكم، ورأيناهم بعد ذلك يشاركون في مظاهرات في ميدان التحرير، والأهم من كل هذا هو قبول تشكيل حزب سياسي، ودخول الانتخابات والمنافسة على أصوات الناخبين مثلهم مثل أي حزب آخر، وهي فكرة غربية أصلا كانوا يرفضونها، ويرفضون حتى فكرة الديمقراطية الغربية التي تعتبر الشعب مصدر السلطات، بينما فكرهم الأصلي يعتمد على مفهوم الحاكمية.

والملاحظ أن نفس هذا التحول حدث للإخوان المسلمين في العقود الأخيرة عندما بدأوا يتقبلون فكرة الوصول للحكم عبر صناديق الاقتراع وتداول السلطة، ومارسوا العمل السياسي من خلال حزب، حتى لو كانوا احتفظوا في الخلفية بالجماعة الدعوية.

هل يعني ذلك أننا أمام تطور في مفاهيم وأساليب تيارات الإسلام السياسي باتجاه قبول قواعد اللعبة الديمقراطية وتداول السلطة؟ هذا شيء سيحكم عليه المستقبل، وإن كان ذلك حدث بالفعل بالقبول بالوصول إلى المجلس التشريعي في البلاد بأصوات الناس العاديين يعني قبول أنهم مصدر السلطات، ويفترض أيضا قبول الرحيل منه إذا صوت الناس بشكل مختلف، أي قبول تداول السلطة وهو ما يجب أن يشدد عليه الدستور المقبل.

لا نريد أن نستبق الأمور في التنبؤ بحجم الإسلام السياسي (إخوان وسلفيون) في البرلمان المصري المقبل، وإن كان المتوقع أن يكونوا في مواجهة كتلة ليبرالية ليست صغيرة حتى لو كانت أقلية في المجلس، وقوى مجتمعية أوسع يصعب تصور أنها ستقبل بصيغ متشددة للحكم وطريقة العيش.