المرأة (الرجلة)

TT

قديما نعتت المرأة القوية الشكيمة والعاقلة (بالمرأة الرجلة) ووصف (أبو حيان التوحيدي) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها بأنها (رجلة العرب) لما تتصف به من صدق الحديث وصدق البأس، وأداء الأمانة.

ومن مميزات المرأة الرجلة: الالتزام، القدرة على الحسم، القوة وثبات النفس، عدم الخوف من الآخرين أيا كانوا.

ومنهن (أم حكيم المخزومية) التي أسلمت يوم فتح مكة، في حين أن زوجها فر إلى اليمن، وطلبت له الأمان من الرسول صلى الله عليه وسلم فوافق، وسافرت إلى اليمن وأحضرته وأسلم، وقتل في حرب مع الروم، وتزوجت بعده (خالد بن العاص) الذي قتل بدوره في الحرب كذلك، فما كان منها إلا أن تشد ثيابها على جسدها شدا يجعل من السهل عليها القتال، وحاربت وكان سلاحها عمود خيمة، واستطاعت بواسطته أن تقضي على ثمانية مقاتلين من الروم، واستطاع التاسع أن ينجو بأعجوبة، غير أنه وجد بعد بضعة أيام ميتا نتيجة دشدشة عظامه من ضربات العمود.

ومنهن (نسيبة بنت كعب) التي أسلمت بقرار شخصي يتبعها ستون رجلا، وقاتلت في حرب اليمامة وطعنت وجرحت اثني عشر جرحا وقطعت يدها، وقبل ذلك، خرجت يوم أحد تسقي المحاربين، وعندما انهزم المسلمون انحازت إلى الرسول ووقفت تقاتل بالسيف وترمي بالقوس، وقال عنها المصطفى يومئذ: ما التفتّ يوم أحد يمينا ولا شمالا إلا وأرى نسيبة تقاتل دوني.

ومنهن (سلمى بنت حفصة) التي تزوجت (سعد بن أبي وقاص) بعد مقتل زوجها الأول (المثنى بن حارثة)، وعندما شاهدت سعد طريح الفراش من المرض يوم (القادسية)، تذكرت المثنى وأخذت تصيح: وامثناه، ولا مثنى اليوم للخيل، فلطمها سعد على وجهها: فجابهته قائلة: أغيرة وجبنا يا سعد. ونكاية به ذهبت وفكت أسر (أبي محجن الثقفي) الذي قيدوه عقابا له على تعاطيه الخمر الذي رفض أن يتركه، وأبلى في المعركة بلاء حسنا، وقيل إنه ترك معاقرة الخمر بعد ذلك.. والله أعلم.

ومنهن (أم كرز) التي أتت إلى (عمر بن الخطاب) تطالب بعطاء أبيها الذي هلك في فتح العراق، ثم أردفت قائلة: وإني مع ذلك لن أسلم، فأجابها عمر إلى طلبها تقديرا لجرأتها وصراحتها، غير أنه أكثر من نصحها بأن تراجع نفسها عل الله يهديها، فقالت له بما معناه: (OK)، إنني سوف أسلم لو أنك أعطيتني جملا عليه قطيفة حمراء، مع كمية من الذهب، فأعطاها ما طلبت، وأسلمت بعد ذلك. ولكنني أظن أن (أم كرز) هذه فوق أنها امرأة (رجلة) حقا، فهي كذلك امرأة انتهازية بدرجة امتياز، وأكبر دلالة أن الرجال تهافتوا بعد ذلك على طلب يدها طمعا في الذهب الذي حصلت عليه.

وإن نسينا فلا يمكن أن ننسى (الشفاء العدوية) التي نصبها الخليفة عمر على (دار الحسبة) مفضلا ومختارا لها على جميع الرجال، لما تمتاز به من الذكاء والأمانة وقوة الشخصية، إلى درجة أن بعض فطاحل الرجال كانوا يتلعثمون في الكلام وهم في حضرتها.

على أية حال، وبالنسبة لي شخصيا، فإنني أدعو الله ربي أن لا يوقعني في يوم من الأيام بين براثن امرأة (رجلة) تحمل في يدها عمود خيمة (كأم حكيم المخزومية).

فأنا (يالله يا دوبك استحمل) الأضافر المصبوغة (بالمونكير) - يعني - (DeLicat) بالفرنسي الفصيح.

[email protected]