من أعمالكم.. سُلط عليكم

TT

يقول ابن خلدون في مقدمته الخالدة: «الرئاسة في المجتمعات تكون لأصحاب العصبية الأولى». والمعادل الموضوعي للعصبية التي تحدث عنها ابن خلدون في زمانه هو الأحزاب أو الجماعات.

والدولة عند ابن خلدون تقوم على أربع دعائم: «العصبية، الفضيلة، الدين، وضعف دولة سابقة لتقوم الدولة الجديدة على أنقاضها».

هنا أريد أن أتوقف أمام العنصر الرابع في دعائم الدولة عند ابن خلدون، ألا وهو «ضعف الدولة السابقة».

إنني أستطيع أن أجزم أن الاستبداد أو الظلم أو الغباء السياسي لبعض أنظمة الحكم يصبح «الفاعل الثوري» الأساسي في قيام الثورات!

بطل ثورة ليبيا الحالية هو معمر القذافي!

بطل ثورة سوريا الحالية د. بشار الأسد!

بطل ثورة اليمن الحالية الرئيس علي عبد الله صالح!

بطل ثورة مصر الحالية الرئيس محمد حسني مبارك!

قد يقول لي قائل: كيف تنكر على الثوار نضالهم، ودعاة الثورة جهودهم، وشهداء الثورة دماءهم؟

أرد قائلا: أنا لا أنكر ذلك.. ذلك كله ما كان له أن يحدث لولا فعل الظلم أو الاستبداد أو الاستبعاد أو الإقصاء السياسي.

باختصار: أفعال خاطئة جاءت بردود فعل.

من هنا يصبح السؤال: ما العنصر المحفز؟ الفاعل أم صاحب رد الفعل؟!

كثير من الحكام كتبوا، من خلال قراراتهم الخاطئة، خطاب تنحيهم، وفي حالات أخرى كثير من الزعماء اختاروا طريق العنف والدماء إلى أن تنفتح أبواب جهنم عليهم وتكون نهايتهم مأساوية مروعة ودموية مثل القذافي.

لذلك كله عرفت البشرية الدساتير والعقود الاجتماعية ومبادئ حقوق الإنسان كي تكون بمثابة «العقد المنظم» لعلاقة الحاكم بالمحكوم، والدولة بالمواطنين، والسلطات الثلاث - التنفيذية والتشريعية والقضائية - بعضها ببعض.

نحن صنعنا طغاتنا بتمجيدهم، وهم كتبوا نهايتهم بمفاسدهم، ثم دفع الجميع الثمن (نحن وهم) غاليا في مرحلة إسقاط النظام غالية التكلفة، ومرحلة إعادة بناء النظام الجديد التي تحتاج إلى دعاء وإنكار للذات وطهارة إنسانية تعود بنا إلى عهود المدينة الفاضلة.

يتأمل الإنسان منا التاريخ المعاصر ويسأل نفسه مائة «ماذا لو»: ماذا لو لم يرث د. بشار الحكم في سوريا؟ وماذا لو لم يمارس علي عبد الله صالح العناد القبلي والسياسة الأمنية الثقيلة ضد شعبه؟ وماذا لو لم يحكم بن علي تونس بيد حديدية ويترك الحكم لأسرة زوجته؟ وماذا لو لم يمنع الرئيس مبارك مشروع التوريث؟ وماذا لو لم يستمع العقيد القذافي للطبيب الألماني الذي نصحه بأن حالته النفسية لا تسمح له بمزاولة مهام الحكم؟

سألت نفسي: «ماذا لو»؟ ثم تذكرت أن «لو» من عمل الشيطان!