بناء عراق مستقر

TT

بغداد - نحن نقف على أعتاب لحظة فارقة في تاريخ العلاقات الأميركية - العراقية، فقد مكنت التضحيات الكبيرة، التي قدمها الشعبان العراقي والأميركي، العراق من التخلص من نظام صدام حسين السيء الصيت، وإقامة مجتمع ديمقراطي وحر. ومع رحيل القوات الأميركية بموجب اتفاقية سحب القوات التي وقعت عام 2008، لنبدأ فصلا جديدا قائما، كما أشار الرئيس أوباما، على «المصالح والاحترام المتبادل». وقد جاء قرار تطبيق الاتفاقية في أعقاب مفاوضات جرت مع احترام كلا الجانبين للقرارات السياسية والسيادية للآخر.

ترسيخ علاقة متينة بين بلدينا أمر حيوي، وخلال الأشهر المقبلة، يجب أن نركز سويا على النمو الاقتصادي، وكذلك التعليم والثقافة والعلوم، وقد أحرز العراق تقدما في مرحلة بناء الدولة، فنحن نبني أكثر من مليون وحدة سكنية منخفضة التكاليف للأسر، وأنا أتطلع إلى رؤية رافعات البناء والمباني العالية تنتشر في سماء بغداد. هذا النضال من أجل إعادة الإعمار لا يقل صعوبة عن النضال من أجل الأمن. كما نحن نعمل على هدم الحواجز التي تعيق الاستثمار بحيث يمكن أن تصبح هذه الرؤية حقيقة واقعة، وأنا أعمل جاهدا مع هيئة الاستثمار العراقية لضمان حقوق المستثمرين الأجانب وخلق بيئة مواتية للاستثمار.

ورغم مساعينا الحثيثة لوضع الديمقراطية الجديدة في العراق على الطريق الصحيح، لا تزال التحديات قائمة، فلا تزال العملية السياسية والعلاقات بين مختلف الأحزاب السياسية في طور التطور، وهناك خلافات جوهرية لا تزال تحيط بالتكوين السياسي للدولة العراقية، وأعتقد أن هذا يمكن حله عن طريق مزج وتوسيع صلاحيات المحافظات، مع الالتزام في الوقت ذاته بوحدة الدولة، كما تحتاج المنازعات المتعلقة بدستورنا لأن تحل من خلال الوسائل السياسية.

والتوصل إلى حل للمناقشات المحيطة الهيدروكربونية يحمل أهمية قصوى للنمو الاقتصادي في العراق. وقد دعمت التشريعات، التي تم إرسالها إلى مجلس النواب، الذي سينظم هذه الصناعة الحيوية وموارد تتناسب مع الشراكة الوطنية والتوزيع العادل للثروة، وقد عقدنا ثلاث جولات من العطاءات في العام الماضي ونستعد للمرة الرابعة.

إن استقرار العراق بعد رحيل القوات الأميركية مصدر قلق بالغ بالنسبة لبلدينا، وأنا أؤمن بقدرات قواتنا الأمنية وبضرورة المساعدات الأميركية.

لا يزال هناك البعض ممن يسعون إلى تدمير بلدنا، كحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي يحظره الدستور، والذي يؤمن بالانقلابات والمؤامرات، التي كانت منهج الحزب وديدنه منذ إنشائه، إلى تدمير العملية الديمقراطية في العراق، وقد جرى اعتقال مئات من البعثيين المشتبه بهم في الآونة الأخيرة، وقد تم إطلاق سراح البعض منهم، فيما ينتظر آخرون المحاكمة. ومن لا يزالون قيد الاحتجاز سيتلقون محاكمة عادلة ومعاملة منصفة بموجب القانون العراقي. ويأتي هؤلاء المعتقلون من جميع أنحاء العراق، وأنا أرفض الادعاءات بأن الاعتقالات كانت عملا طائفيا مبنيا على دوافع سياسية، فقد اتخذت هذه الخطوات لحماية الديمقراطية في العراق.

ولعل أحد العوامل الأخرى التي أضرت باستقرار العراق كان تصرفات القوى الأجنبية، فالعراق دولة ذات سيادة، وسياستنا الخارجية مبنية على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وبالتالي، فإننا نعارض التدخل الأجنبي في الشؤون العراقية، فالعراق لا يتطلع إلى التأثير بصورة غير مشروعة على أي دولة، لكنه يتطلع إلى التعاون مع جميع البلدان للمساعدة في الحفاظ على الأمن الإقليمي، ومن ثم فإن العراق لن يسمح لنفسه أن يصبح مصدرا للقلاقل في البلدان الصديقة.

وقد تسبب سكان معسكر أشرف في قدر كبير من الجدل هنا وفي الولايات المتحدة، وأود أن أرى حلا سلميا لهذه المسألة المعقدة بمساعدة الأمم المتحدة، فسكان المخيم يصنفون على أنهم منظمة إرهابية من قبل الكثير من البلدان، وبالتالي لا يوجد أساس قانوني للبقاء في العراق، وليس هناك من بلد يقبل بوجود مسلحين أجانب على أراضيه، لكننا سوف نعمل بجد لإيجاد حل سلمي يحترم القيم الدولية لحقوق الإنسان.

وقد جلب الربيع العربي قدرا كبيرا من التغيير في هذه المنطقة، هذا العام. ويرفض العراق الديكتاتوريات والحكومات ذات الحزب الواحد، ونأمل أن تنجح هذه الحركات في تحقيق الحرية والديمقراطية إلى الملايين الذين يبحثون عنها، وأن تحقق المنطقة الاستقرار نتيجة لذلك، وهو ما سيصب لا في مصلحة منطقتنا فحسب بل على العالم بأسره.

لقد عانى العراق من صعوبة رهيبة على مدى عقود كثيرة ماضية، بيد أنني اليوم على ثقة بشأن مستقبل بلدي وقدراته وصمود شعبنا. نحن نسعى لإعادة تطوير شامل، وبناء تشريعات ومؤسسات، وتعزيز الحريات وتعزيز ديمقراطيتنا. نحن نريد أن نبني دولة المواطنين لا الطوائف. نحن نريد خلق بيئة صحية مواتية للاستثمار وتوفير الخدمات الحيوية للمواطنين، بما في ذلك الحصول على تعليم مناسب. إن العراق يسعى لبناء جيش قوي وقوات أمن لديها القدرة على حماية سيادتنا ومصالحنا، ونحن قادرون على القيام بذلك مع مساعدة من الولايات المتحدة.

* رئيس الوزراء العراقي

* خدمة «واشنطن بوست»