الفلسطيني.. ناخب ومرشح في مصر!

TT

تابع الفلسطينيون بمواظبة ونهم، أخبار الانتخابات في مصر؛ بعضهم تعامل مع الحدث من موقع الناخب.. والبعض الآخر من موقع المرشح.. وحين ظهرت النتائج الأولية، ابتهج الناجحون، وحزن المتأخرون، ليعود الجميع بعد أيام إلى متابعة الفصول المتبقية من موسم الانتخابات المصرية المثير.

والمتابعة بمنطق المرشح والناخب، لا تحتاج إلى تفسير؛ فالأمور تفسر نفسها بنفسها، فكل منتسبي الإسلام السياسي يرون أنفسهم في الستين في المائة التي يمثلها «الإخوان» والسلفيون، أما منتسبو الليبرالية، وحتى الوطنية بمفهومها التقليدي، فيرون من يمثلهم في الأربعين في المائة التي بقيت.

ومؤشر الانتخابات في مصر، وقبلها تونس والمغرب، أنعش شهية الإسلام السياسي عندنا باتجاه الانتخابات، وثبط من عزيمة منافسيه قليلا.. وأستخدم مفردة «قليلا» نظرا للفوارق «القليلة» بين دوافع الناخب في مصر ودوافعه في فلسطين.

غير أن متابعة الانتخابات في المحيط القريب، وبالروح والكيفية التي جرت في فلسطين، تصلح كمؤشر على حقيقة بالغة القوة والتأثير في حياتنا الفلسطينية، حقيقة قول: إنه لا مجال لانعزال، ولو نسبيا، لفلسطين عن الواقع المحيط بعد أن تهيأ لنا ذلك، بل المجال كل المجال مفتوح على مصراعيه، أمام تأثر مباشر تبدو فيه أسيوط كما لو أنها غزة، والإسكندرية كما لو أنها الخليل، والمونستير بتونس كما لو أنها نابلس، واندماج على هذا النحو يذيب إلى حد كبير الفوارق بين جمهور الإسلام السياسي في كل مكان، والجمهور المتبقي بالمقابل.. وفرز كهذا سوف يدخل المنطقة بأسرها إلى وضع جديد فيه من الغموض وانعدام الحسم في أمر القضايا الرئيسية، أكثر بكثير مما فيه من اليقين باتجاه ما!

وهنا، تجدر الإشارة إلى التحديات الجدية، التي سيقف أمامها الإسلام السياسي، الخارج بنجاح من صناديق الاقتراع؛ هل بمقدوره تلبية احتياجات الناخبين اليومية أولا، ثم أحلامهم الإسلامية ثانيا؟ أم أنه سيكتشف مبكرا أن الوصول إلى كرسي الحكم، أسهل ألف مرة من النجاح في ممارسة مهامه؟!

لنأخذ مصر مثلا.

لقد فاز الإسلام السياسي بنسبة تفوق الخمسين في المائة، تماما، وربما بذات النسبة في تركيا.. فهل يتوقع الإسلام السياسي الفائز، أن يدير الدفة في مصر بالاتجاه الذي يريد داخليا ودوليا بمجرد قرار برلماني؟ أم أنه سيواجه بيروقراطية صارمة عمرها آلاف السنين تحكم مصر، وتفرض اتجاهها السياسي، وتحدد الخطط التعبوية والتحالفية لجيشها الكبير وأجهزتها الأمنية، التي تعد بمئات الألوف من المنتسبين، وربما الملايين من المتقاعدين، الذين لا يفقدون انتماءهم لحاضنتهم الأساسية؟!

ثم ماذا سيفعل الإسلام السياسي، بالواقع السياحي لمصر؛ هل سيقوى على تقويض النفور التلقائي من جانب ملايين هم مرتكزات الاقتصاد المصري وضمانات عدم انهياره، خاصة بعد رؤية أشخاص يقبلون صورة بن لادن في القاهرة والإسكندرية؟!

ثم ماذا سيفعل بالفقر، وكل إفرازاته المخيفة، من ظواهر يعرفها الإسلاميون مثل غيرهم، وليس مؤشرها الوحيد العشوائيات، التي أصبح سكانها يعدون بالملايين، وغيرها وغيرها من الظواهر التي أشعلت الثورة وتلح على الحل.. إن أخطر النجاحات هي تلك التي تأتي من خلال إخفاقات الآخرين، فلقد تغذى الإسلام السياسي في مصر على فشل نظام ثورة يوليو، مثلما تغذت ثورة يوليو على فشل النظام الملكي، وهكذا.. وما إن كان الفشل السابق يولد نجاحا لاحقا، حتى تبدأ المساءلة الصارمة، ومركزها: «لقد منحناكم أصواتنا، لقاء وعد بتغيير حياتنا إلى الأفضل، فماذا فعلتم؟».

فيما مضى، كان لنظام ما بعد ثورة يوليو، أجوبة بعضها منطقي والآخر ملفق، إلا أن الحاجات الشعبية الضاغطة، فجرت جدار الخزان، وأنهت المنطقي والملفق في طروحات نظام يوليو.

والآن..

هل لدى الإسلام السياسي، من البرامج والتجارب والآليات، ما يتفادى به حقا تفجير جدار الخزان الجديد؟ وهنا علينا أن نعرف أن الأمر ليس مجرد محاربة فقر وإنهاء فساد سلطوي، بل إنه فوق ذلك خيارات سياسية جديدة تماما.. قد يكون الاضطرار للتحالف مع الأطلسي أحدها، وهنا، يجدر أن نسأل تركيا قبل غيرها!!

لقد أعجبني تعليق أحد المصريين العاديين على فوز الإسلام السياسي في الجولة الأولى من الانتخابات؛ قال: «إذا نجح (الإخوان) في تلبية كل مطالبنا.. فحياهم الله، وإن لم ينجحوا، فميدان التحرير موجود.. وسيفعل بهم ما فعل بغيرهم».