العالم هذا الصباح

TT

إذا كان للعالم وجهان – أو أكثر – فكلاهما مكفهر هذه الأيام. ولا تبدو الرؤية هكذا من العالم العربي وحده، وإنما من جميع القارات الغنية تقليديا والفقيرة تقليديا، المستقرة عادة والمشهورة بعدم الاستقرار. وتبدو المسألة وكأنها وباء. ليست اضطرابات وخلخلات في الأنظمة العالمية القائمة. وتحاول مئات المؤسسات ودوائر الفكر الوصول إلى أسباب هذا التفكك المتسارع، لكنها كلما حلت مشكلة اكتشفت أنها أمام معضلات أصعب بكثير.

ترك جورج بوش البيت الأبيض والاقتصاد الأميركي والعالمي يتناثر تحت قدميه كالزجاج. وترك أيضا مجموعة نزاعات متفجرة بلا حدود. وكان وزير دفاعه دونالد رامسفيلد يهزأ دائما مما يسميه العالم القديم، فإذا بالعالم الجديد الذي يمثله يطلب الاستغاثة من العجوز الأوروبية المتهالكة هي أيضا. وما لبثت القارة أن تفجرت فيها كل ثقوب الفراغ في وحدة متسرعة وغير متكاملة. بينما وجدت أوروبا في ألمانيا مرفأ تستند إليه في هذه الحالة المريعة، لم تجد أميركا سوى عدوة تاريخية تدعى الصين.

ليس للمرة الأولى في التاريخ تبرز ألمانيا كقمة اقتصادية هائلة ومتفوقة، لكنها المرة الأولى التي نرى فيها الصين ضامنا اقتصاديا وشريكا رئيسيا على مدى العالم أجمع. وتغيب للمرة الأولى في هذه المعادلات دولة عاملة أخرى هي اليابان، التي ضربتها الزلازل ووضعتها في الخطر النووي السلمي بعدما كانت قد ذاقت طعم الخطر النووي العسكري خلال الحرب العالمية الثانية.

يقول عنوان «الـتايمز» ذات صباح: «جيل لا عمل له». مليون شاب بريطاني سوف يتخرجون ولا يجدون عملا. ويطلب إلى الكثيرين من هؤلاء إذا أرادوا العمل حقا أن يكون ذلك بلا أي مقابل على الإطلاق. وقد عرفت أوروبا وأميركا مثل هذا المناخ القاتم خلال الحروب أو بعدها، أما الآن فلا نعرف ماذا يمكن أن نسمي المرحلة الملبدة في أنحاء الأرض.

وأما هنا على مداخل ومخارج هذه الأمة فقد بدأنا في شيء معلوم، ووصلنا إلى مجموع متفرعات مجهولة، لا أحد يعرف مدى تداعياتها ولا إلى متى تستمر. ففي البداية، بدا أن ما يحدث هو المتوقع، أي سقوط الديكتاتوريات في وجه التمرد على العبودية. بل بدا أن الأمر بسيط لدرجة أن بائع خضار يمكن أن يشعل الثورة التي نادى بها مواطنه أبو القاسم الشابي قبل عقود. لكن يبدو أن شؤون هذه الدنيا ليست في مثل هذه البساطة والسهولة؛ فالثورات العربية التي هتف لها الناس تبدو اليوم عاجزة عن الاتفاق على وزير داخلية وأحيانا على وزير إعلام.. مؤشر مؤسف جدا.