المعلم ورشوة المائة مليون

TT

لم يتوقف كثيرون عند رواية من دمشق تقول إن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، تلقى عرضا خليجيا كريما بمائة مليون دولار إن وافق على الانشقاق ضد حكومته. طبعا في الرواية عيبان، الهدف؛ أي الوزير، والمبلغ نفسه. فالوزير المعلم يبدو مغلوبا على أمره، ولو كان يملك مائة مليون دولار لدفعها من أجل أن يسمح له بالانشقاق، وليس العكس. وزير الخارجية في سوريا الحالية ليس من أركان الحكم، بل من موظفيه، وما حادثة المؤتمر الصحافي والفيديوهات المزورة بشكل بليد، وتحولت إلى فضيحة، إلا دليل على أن لا صلة بما يحدث وما يعرض. ولو انشق، عدا عن الفضيحة، لن يكون مكسبا كبيرا للمعارضة ولا خسارة مؤثرة في النظام. والعيب الثاني أن المبالغة في العرض الخليجي جعلت من المستحيل أن يكون فيه شيء من الصحة، فإذا كان سعر المعلم مائة مليون دولار، إذن كم سيعرض غدا على القيادة العليا في حال بلغت الأمور أنها أصبحت مستعدة للتخلي عن الحكم، كما هو الحال في اليمن؟

وهذا يقودنا إلى السؤال الأوسع، لماذا لم ينشق أحد من رجالات الحكم السوري أو حتى من أطرافه؟ لماذا لم نرَ وزراء أو نواب وزراء أو سفراء أو برلمانيين أو قيادات عسكرية أو أمنية تعلن انشقاقها، أو تفر إلى الخارج، كما حدث في عهدي نظامي صدام في العراق والقذافي في ليبيا؟

مظهر النظام يبدو متماسكا، بمؤسساته وقياداته، رغم مرور ثمانية أشهر من الاحتجاجات العارمة والضغوط الدولية لإسقاطه مما يوحي بأنه لا يقهر، وهذا ليس صحيحا بدليل أنه استخدم كل ما في جعبته من القمع والتشهير والقتل ولم تتوقف حركة الاحتجاجات في عشرات المدن في أنحاء البلاد، وبات واضحا أن حظوظ النظام في النجاة ضعيفة جدا رغم كل المسرحيات السياسية، مثل تكرار أخبار التحركات الروسية العسكرية صوب الموانئ السورية، وخطب زعيم حزب الله بأنه مستعد للموت من أجل النظام السوري، والتصريحات الصلبة من الحكومة السورية ضد تحركات المجتمع الدولي. كلها مسرحيات لا تخفي حقيقة أن وضعها في غاية الخطورة. وقد لا ينشق أحد من الأسماء البارزة أبدا، إنما هذا لا يوحي بالطمأنينة، حيث إن احتمالات الانهيار الفجائي واردة جدا بعد هذا الضغط الهائل على أكتاف النظام، الذي لا شك أنه استطاع الصمود حتى الآن بشكل أفضل من الأنظمة التي تهاوت قبله، لم يخسر بعد أي مناطق للمعارضة حتى تتجمع فيها، ولم يخرج عن طاعته أحد من كبار موظفيه، ولم نلمس تضاربا في سلوك أو تصريحات قياداته، ولم يكل الحديث بثقة أنه يسيطر على الوضع. طبعا، الحقيقة ناقصة، فاستمرار المظاهرات، وتوسع حركة العصيان واضحة للجميع. مظهر النظام يبدو متماسكا، حتى إن الرئيس وبقية أركان دولته لم يرتدوا ملابسهم العسكرية، مع أن البلاد في حالة حرب ضخمة، إلا أن هذا الهدوء المفرط وسط العصيان يوحي بالقلق لأتباعه بسبب مبالغته إلى درجة قد يظنون أنه غير مستوعب خطورة الأزمة، وهذا طبعا ليس صحيحا؛ فهو يعرف أنه على شفير الانهيار، لكنه يحب التمثيل بأن كل شيء تحت السيطرة.

الأكيد أن النظام عاجز عن أن يقدم حلولا عملية يمكن أن تنقذه، الحل الوحيد أن يظهر واثقا ومتحديا، وهذا هو الأهم في نظره. وفي ظني أن خوف النظام على صورته هو ما يجعله يفشل في تخيل حلول قد تنقذه، ويفسر كمية التعديلات التي اشترطها حتى يقبل وفد مراقبي الجامعة العربية، وبعضها يبرره بالمحافظة على السيادة.

[email protected]