لا يجهلون!

TT

في ضجيج ما يسمى «الربيع العربي»، من السذاجة بمكان أن ننفي وجود تداخل شديد بين الداخل والخارج، الدولي والإقليمي، الطائفة والوطنية، الدين والدنيا، القناع والوجه الحقيقي.

إيران، ومعها معسكر «الممانعة»، لها حسبتها ومطالعتها الخاصة تجاه هذه الأحداث. هي تريد توجيه الأمور بالشكل الذي ترغبه، لذلك اعتبرت ما يجري في سوريا ضد نظام الأسد «مؤامرة» أميركية صهيونية «خليجية» ضد «البطل» بشار الأسد، بينما ما جرى في مصر وتونس واليمن وليبيا هو ثورات نقية وطاهرة من وحي الإمام الخميني.

واعتبرت إيران، ومعها جماهير الأحزاب الدينية الشيعية المسيسة في العالم، أن ما جرى في البحرين هو ثورة مشروعة لإسقاط النظام وإقامة الجمهورية الإسلامية، تحت لحاف الربيع العربي، الذي صار حجة جديدة لكل أجندة قديمة، ورأينا علم البحرين الضخم يرفع في النجف وكربلاء في الاحتفالات العاشورية الأخيرة بملايين الجموع.

نفي البعد الخارجي، ممثلا بإيران بالدرجة الرئيسية، في إثارة الورقة الشيعية في الخليج، هو نفي ليس جاهلا، بل متجاهل!

بعد اشتداد الضغط على النظام السوري، رأينا أحد «شبيحة» النظام السوري يخرج على قناة «دنيا» الناطقة باسم جمهور الأسد، يطلب من إيران تحريك الشيعة السعوديين وإثارتهم ضد الدولة.

وبعد أحداث القطيف الأخيرة نقلت إذاعة إيران الرسمية عن رجل الدين الإيراني آية الله أحمد جنتي القول، في خطبة الجمعة بجامعة طهران - وهو إمامها المؤقت - مخاطبا العائلة السعودية المالكة «عليكم التخلي عن السلطة وتركها للشعب، وهو يقرر حكومة شعبية».

ولم يقتصر «التحريض» الإيراني على الساحة السعودية، بل البحرين والكويت أيضا، وحيثما وجد حضور شيعي، بل وحتى إذا لم يوجد يحاولون اختراعه، كما هو الحال في مصر.

إيران تريد عصر الورقة الشيعية عصرا لصالح معركتها الإقليمية الخاصة، وهي لا تتورع عن توظيف المطالب الخاصة للمواطنين الشيعة في أي بلد، مهما كانت مشروعة أو قانونية، وحتى توريط المواطنين الشيعة في عمليات إرهابية لصالح النظام الإيراني، وآخر ذلك قتل القنصل السعودي في كراتشي، ومثله محاولة تفجير سفارة السعودية وجسر البحرين، كما كشفت قطر، وأيضا استهداف السفير السعودي في واشنطن، وقبل ذلك بسنوات تفجيرات أبراج الخبر (1996)، وخطف الطائرة الكويتية، وتفجيرات شركة «صدف» (1988)، وأحداث حج 1987، وغيرها من الأمثلة كثير. لذلك لا يملك الإنسان إلا التعجب لهذا التجاهل التام الذي وقع فيه بيان خرج مؤخرا، وقع عليه بعض السعوديين، يتحدث عن أحداث القطيف، نافيا وجود دور للخارج فيه، ومنددا بـ«إلقاء اللوم على التأثيرات والارتباط بالخارج والتشكيك في الولاء للوطن، تحت لافتات إقليمية أو دولية».

والحق أن التدخل الخارجي ساطع سطوع الشمس الإيرانية، ولا يلغيه إنشاء مثل هذه العبارات البلاغية. يبقى بعد هذا كله القول: هل هناك حاجة لتكريس وترسيخ مبدأ المواطنة الحقة، وإلغاء التمييز الطائفي؟!

الجواب: «نعم» حاسمة، وهنا أتمنى لو يصدر من مجالس الشورى والبرلمانات الخليجية، بالذات مجلس الشورى السعودي، مشروع قانون «يجرم» التحريض على الكراهية الطائفية وغير الطائفية.

هذا لا يجادل فيه عاقل ومخلص، لكن التعامي عن الخطر الإيراني والاستخدام الفج للمطالب الوطنية لشيعة الخليج، هو إما نوع من الانخراط في الدعاية الإيرانية بحجة أنه في الربيع العربي كل شيء جائز، وإما هو إعادة إنتاج لأدبيات المقاومة والممانعة التي سممت المناخ الإعلامي طيلة العقد الماضي، بفضل إعلام حسنين هيكل وتلاميذه في المنطقة.

[email protected]