مصر: البداية أم النهاية؟

TT

فوز الإخوان المسلمين؛ بل وحزب النور السلفي الأكثر تطرفا، بنسبة 65 % من الأصوات في الجولة الأولى من أول انتخابات برلمانية حرة تجرى في مصر منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، لم يكن مفاجأة غير متوقعة؛ فبالنظر إلى مدى هيمنة الأنظمة العسكرية في العالم العربي على كل الأحزاب السياسية المدنية المستقلة على مدار الخمسين عاما الماضية، نجد أنه كانت الفرصة ضئيلة بالنسبة لأية دولة عربية في الانتقال من عصر مبارك إلى عصر جيفرسون دون أن تمر بعصر الخميني.

لكن إذا كانت تلك هي نهاية ثورة الديمقراطية المصرية، فلم يتضح بعد ما إذا كانت مرحلة منها، وهي مرحلة السياسة الدينية، سيتعين عليها التعايش مع الأجندات الإصلاحية العسكرية والعلمانية. إن قوانين الجذب، السياسية والاقتصادية، يجب أن تضع في اعتبارها من سيقود مصر، ولهذا فإنني الآن متخذ وضع الاستماع والمشاهدة، بطرحي تساؤلات أكثر مما أتلقى من إجابات.

السؤال الأول: هل تعلمت الأحزاب الإصلاحية الأكثر علمانية، التي قادت ثورات ميدان التحرير في بداية هذا العام وفي الشهر الماضي من أخطائها؟ بحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة «تشارني» للأبحاث واستطلاعات الرأي لصالح معهد السلام الدولي، عندما سئل المصريون الشهر الماضي عما إذا كانت مظاهرات التحرير ضرورية لتحقيق أهداف الثورة أم اضطرابات لا داعي لها «في وقت تحتاج فيه مصر للاستقرار والانتعاش الاقتصادي»، فضلت نسبة تتراوح بين 35 و53 % التركيز على تحقيق الانتعاش الاقتصادي.

إن المتظاهرين العلمانيين الإصلاحيين المؤيدين للديمقراطية الذين أحيوا مظاهرات ميدان التحرير الشهر الماضي يرجع إليهم الفضل في إرغام الجيش المصري على تقليص صلاحياته. غير أنه يبدو أن ذلك أتى لحساب موالاة بعض الناخبين المصريين أصحاب الأفكار التقليدية، الذين ما زالوا متشبثين بالجيش كمصدر للاستقرار، ويبدو أن هذا شكّل عائقا أمام الإصلاحيين العلمانيين في الإعداد للمنافسة في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية. وأتت الكتلة الليبرالية المصرية في المرتبة الثالثة بنسبة تقدر بنحو 15 % من الأصوات. بيد أن الإصلاحيين العلمانيين المصريين بحاجة إلى مزيد من التنظيم والاتحاد.

السؤال الثاني: هل الأحزاب الإسلامية المصرية، التي يمكن أن تهيمن على مجلس الوزراء في المستقبل، لديها أدنى فكرة عن كيفية تحقيق نمو اقتصادي في وقت يغرق فيه الاقتصاد المصري؟ تهدر مصر الآن نحو مليار دولار من احتياطيات العملة الأجنبية شهريا، وانخفضت الآن إلى 21 مليار دولار، وقد هبط الجنيه المصري ليصل إلى أدنى مستوياته خلال سبع سنوات، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 25 %، وتعتبر السياحة هي المصدر الأساسي للعملة الأجنبية، حيث أدرّت على مصر 39 مليار دولار العام الماضي، واليوم انخفض معدل إشغال الفنادق.

غير أن محور تركيز السلفيين الأساسي ليس هو تعزيز الاقتصاد؛ إنما هو الفصل بين الجنسين وحظر المشروبات الكحولية وإلزام النساء بارتداء الحجاب. تعتبر جماعة الإخوان المسلمين أقل تشددا، ولكنها ما زالت بعيدة كل البعد عن الليبرالية. كيف ستكون الجماعة قادرة على توصيل قيم الأصولية الدينية والأعراف الاجتماعية، فيما يمكن أن يحرم ذلك مصر من أكبر مصدر للدخل، ناهيك عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات الخارجية المقدمة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

لا أعلم. فقط أعلم أن أحد الأسباب الجوهرية وراء تمكن القوى القائمة على الفكر الخميني من الاستحواذ على مقاليد السلطة لأجل طويل في إيران هو أن آيات الله كان لديهم مورد هائل لا ينضب متمثل في عائدات النفط الذي يمكنهم أن يرشوا به شعبهم ويتجاهلوا العالم بأسره. وحتى وقتها، واجهوا ثورة شعبية. أما مصر، فلا تملك مثل هذه الموارد. فما زال أملها الوحيد لتحقيق النمو ممثلا في رأسمالية السوق الحرة؛ الشركات الناشئة التي يمكنها المنافسة في السوق العالمية. ومن ثم، فإن من سيرث السلطة في مصر أيا كان، سيتعين عليه تقديم نموذج أقل فسادا من الرأسمالية، مع مزيد من المنافسة والخصخصة وانخفاض فرص العمل الحكومي، في وقت ينهار فيه الاقتصاد المصري. تحدث محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل والزعيم الإصلاحي، إلى وكالة «أسوشييتد برس» قائلا: «أعتقد أن الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، وبعض السلفيين، يجب أن يبعثوا برسائل سريعة سواء داخل الدولة أم خارجها للتأكيد على أن المجتمع ما زال متماسكا وأن الاستثمارات الأجنبية ستزيد».

السؤال الثالث: هل ستتبع مصر نمط العراق؟ فقد اكتسحت الأحزاب الدينية والطائفية في العراق الانتخابات لأول مرة، وبعد أدائها السيئ، تحول الجمهور العراقي بعيدا عنها مفضلا الأحزاب العلمانية الأكثر تعددية. إن الناخبين العرب يرغبون في حكومة نظيفة تخلق فرص عمل وتحقق الاستقرار. ويثبت العراق أيضا أنه بمجرد توقف القتال وبدء السياسة، تبدأ كل أنواع السجال بين الأحزاب العلمانية والدينية. وفي مصر، يعتبر الإخوان المسلمون والسلفيون ألد الأعداء - ليس ثمة أي شيء مماثل للدخول في معركة حول الإيمان - لذلك لا أحد يعلم أي تحالفات أو ائتلافات يمكن أن تنبثق.

وخلاصة القول أن الإخوان المسلمين والسلفيين كانوا يعيشون في قهر، ويركزون في الأساس على ما يقفون ضده معا، متحدين القمع الذي يمارس على آيديولوجيتهم المتمثلة في شعار «الإسلام هو الحل». أما الآن، فمع خروجهم من القبو العربي إلى الشارع العربي، لا يتعين عليهم تحديد وجهتهم فحسب، وإنما أيضا القيام بذلك في سياق اقتصاد عالمي عالي التنافسية سيترك 85 مليون مصري، ثلثهم أميون، في حالة أسوأ، ما لم يبدأوا في اتخاذ خطوات فعالة مؤثرة.

سيتطلب ذلك حتما بعض التغييرات الآيديولوجية القوية من قبل الإخوان المسلمين والسلفيين لتحويل الأفكار إلى واقع ملموس. إنهم ما زالوا في بداية الطريق.

* خدمة «نيويورك تايمز»