الميكروبات تستوطن غرف المرضى

TT

على الرغم من التقارير المتفائلة الصادرة خلال الأعوام القليلة الماضية عن الهيئات الصحية بالولايات المتحدة حول الميكروبات في المستشفيات، أظهرت نتائج دراسة حديثة لباحثين من جامعة ماريلاند أن ثمة واقعا مخالفا. ووفق ما تم نشره في العدد الصادر في أول نوفمبر (تشرين الثاني) من المجلة الأميركية للسيطرة على العدوى American Journal of Infection Control، قام الباحثون من كلية الطب التابعة لجامعة ماريلاند الأميركية بدراسة ميدانية على غرف تنويم المرضى في 50 مستشفى من المستشفيات الأميركية، وذلك للبحث عن مدى انتشار استيطان أحد الأنواع الشرسة من البكتريا في تلك الغرف التي يوضع المرضى فيها لتلقي المعالجات الطبية.

البكتريا التي تم البحث عن مدى انتشارها في غرف تنويم المرضى هي بكتيريا أسينتوبكتر بومانيي Acinetobacter baumannii (MDR - AB). ومعلوم طبيا أن هذه الفصيلة من البكتيريا ذات قدرات عالية على مقاومة العديد من المضادات الحيوية multidrug - resistant bacteria المستخدمة في معالجة الأشخاص الذين يصابون بعدواها. وهي البكتريا التي لفت الباحثون إلى أنها كانت المسؤولة عن العديد من الموجات الوبائية الفاشية في المستشفيات الأميركية خلال العقود الماضية، ولديها قدرات عالية ولفترات زمنية طويلة على البقاء حية والانتقال لأجسام المرضى وإصابتهم بأضرارها الصحية، وخاصة لدى شريحة أولئك المرضى ذوي البنية الجسدية الضعيفة أو المرضى المصابين بعدد من الأمراض أو من لديهم ضعف في قدرات مناعة الجسم، أي فئة المرضى الأكثر حاجة لتلقي العناية الطبية بالمستشفيات والأعلى احتياجا للحرص على عدم تعرضهم لمزيد من المشكلات الطبية.

وما يثير الدهشة في نتائج الباحثين أن تلك النوعية من البكتيريا تنتشر في نحو نصف غرف تنويم المرضى بالمستشفيات الأميركية التي شملتها الدراسة.

وتبين للباحثين أن تلك البكتريا الشرسة تنتشر على أسطح أجزاء متعددة من غرف التنويم، وتحديدا على الأسرة التي يستلقي عليها المرضى، وأسطح أرضية الغرف، والعربات التي تدخل غرف المرضى محملة بالأدوية أو وجبات الطعام. ولفت الباحثون الأنظار إلى أن هذه النوعية من البكتريا على درجة من الأهمية الطبية العلاجية في المرافق الصحية، ذلك أنها كانت السبب كما تقدم في حصول وبائيات من انتشار العدوى بين المرضى في المستشفيات الأميركية خلال العقود الماضية.

وقام الباحثون خلال الدراسة بتجميع عينات من عشرة أماكن في كل غرفة من غرف المرضى بالمستشفيات الأميركية الخمسين المشمولة بالدراسة، التي شغلها أحد المرضى مؤخرا، أي في خلال فترة أقل من شهرين. ومن أمثلة تلك الأماكن بالغرف، أطراف الأسرة وأسطح الطاولات الجانبية بقرب الأسرة وزر استدعاء الممرضة والتوصيلات التي تثبت على جلد المريض لأخذ قياس النبض وضغط الدم وغيرها من مؤشرات العلامات الحيوية ومضخات إعطاء السوائل أو الأدوية في الوريد وأسطح غيرهم من التجهيزات الطبية ذات العلاقة المباشرة بملامسة المريض حال إقامته في إحدى تلك الغرف بالمستشفى. وهو ما علق عليه الباحثون بالقول إنها أماكن مهمة توجد عليها تلك النوعيات الشرسة من البكتيريا، وهي في نفس الوقت قريبة من المرضى وتستخدم في وسائل معالجتهم.

والواقع أن أحد الموضوعات ذات الأهمية العالية طبيا، وذات التأثيرات العلاجية المباشرة، وبالتالي أحد «عوامل ارتفاع الخطورة» التي يتوجب الاهتمام بها دون أي تهاون في الأوساط الطبية، هو موضوع عدوى المستشفيات. وبدلا من خدمة ومعالجة أولئك المرضى الذين يضطرون إلى الدخول إلى المستشفيات لتلقي المعالجات الطبية المباشرة فيها، يصبحون، بسبب انتشار الميكروبات في المستشفيات، بحاجة إلى من يحميهم من أضرار الدخول إلى المستشفى!

والمنطق يقول إن من أدنى واجبات ومسؤوليات الأطباء والعاملين في المستشفيات عدم تسببهم بأذى المرضى من خلال حصول الأخطاء الطبية أو من خلال عدوى المستشفيات، فهل يعي الوسط الطبي واجبه حيال القضاء على هذه المشكلة؟

استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]