الولايات المتحدة وتركيا تتوصلان إلى إقامة علاقة جيدة

TT

إنهم شركاء غير محتملين، فالرئيس الأميركي معتدل وهادئ، بينما رئيس الوزراء التركي مزهو وأحيانا عصبي المزاج. ومع ذلك استطاعا أن يقيما علاقة جيدة تعد من أهم التطورات التي تشكل التغيير الذي يشهده العالم العربي خلال العام الحالي، وإن لم يتم التحدث عنها كثيرا. إذا نظرت إلى العوامل التي تمنع تحول الصحوة العربية أو الربيع العربي إلى كابوس، ستجد أن الشراكة بين تركيا والولايات المتحدة باعثة على الطمأنينة، فقد عمل كل من الرئيس أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان معا من أجل التعامل مع الأحداث التي تشهدها مصر وليبيا وسوريا وإيران. لقد تحدثا عن تطورات الأوضاع خلال 13 مكالمة هاتفية خلال العام الحالي بحسب البيت الأبيض. ولم يكن الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء التركي صديقين في البداية، لكنهما باتا كذلك بعد حديث صريح دار بينهما العام الماضي في تورونتو. وتمثل تلك العلاقة صيغة أوباما عن «الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة».

يمثل أردوغان بالنسبة للإدارة الأميركية، التي تريد أن تؤثر على ما تشهده المنطقة العربية من اضطرابات دون الظهور بشكل مباشر على الساحة، الوسيلة النموذجية، حيث يتمتع بمصداقية كبيرة في الشارع العربي خاصة في ظل تصدر جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية الأخرى المشهد بعد الثورات العربية. كذلك لدى وزير خارجيته، أحمد داود أوغلو، طموحات تشبه طموحات كسينجر. ويمثل أردوغان «النموذج التركي» لحزب إسلامي حاكم ملتزم بحرية السوق ومدعوم من جيش قوي موال للولايات المتحدة، والذي يرى الكثير من مسؤولي الإدارة أنه أمل مصر ودول جوارها. مع ذلك، يشير المنتقدون إلى أن أردوغان قد ضيق من هامش الديمقراطية في تركيا من خلال الحد من استقلال وسائل الإعلام والقضاء والجيش. بهذا الشكل، للنموذج التركي مخاطر مثلما له مزايا.

لقد رأيت مزاج أردوغان الحاد بنفسي عندما غادر منتدى «دافوس» الذي كنت أتولى تنظيمه عام 2009 لأنه اعتقد أنه لم يمنح الفرصة الكافية للتعبير عن انتقاده للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وكانت شعلة الغضب العارم من أسباب شعبية أردوغان في المنطقة، التي تريد شعوبها أن ترى السياسيين يتصدون للغرب.

بينما أعاد مسؤولو البيت الأبيض إقامة هذه العلاقة الخاصة، واستندوا إلى قرار أوباما بإضافة زيارة أنقرة إلى جدول زياراته الأولى بعد توليه منصب الرئاسة في أبريل (نيسان) 2009. وكانت الرحلة عادية في البداية، حيث كانت في إطار اجتماعات قمة العشرين وحلف شمال الأطلسي في أوروبا، لكن أوباما أراد التواصل مع القوى الصاعدة بدءا بتركيا.

وألقى أوباما خطابا جيدا في أنقرة، لكن ساءت العلاقات في بداية عام 2010، عندما حاولت تركيا التوسط في اتفاق مع طهران حول برنامج إيران النووي. ورأى أوباما أن الأتراك يقوضون السياسة الأميركية خاصة عندما صوتوا في مجلس الأمن ضد فرض عقوبات جديدة على إيران في يونيو (حزيران). ودخل أوباما في مواجهة أخرى مع أردوغان في وقت لاحق من ذلك الشهر في قمة مجموعة العشرين في تورونتو، حيث اعترض أوباما قائلا: «أنتم تعلمون مدى أهمية هذا بالنسبة لي ولم تساندوني»، على حد قول أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية. ولم يكن جواب أردوغان أقل صراحة عن أوباما، حيث انتقلا إلى مناقشة مطولة امتدت لعدة ساعات عن تطوير التوجهات في العالم ومعنى أن يكونا حليفين. ويرى الأتراك أن ذلك الاجتماع قد شهد ميلاد شراكة حقيقية.

ومن أمثلة «التعاون الحقيقي»، يشير المسؤولون إلى المساعدة التي قدمتها تركيا لتشكيل حكومة عراقية برئاسة المالكي ومجهوداتها في محاربة الجماعات الإرهابية ومنها حزب العمال الكردستاني، وإسهاماتها في أفغانستان والاستراتيجية المشتركة التي تبنتها تجاه الربيع العربي. واستمر التحالف حتى في ظل توتر علاقاتها مع إسرائيل على خلفية الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية في مايو (أيار) 2010. وحاولت الولايات المتحدة التوسط للتهدئة بين البلدين، لكنها أخفقت عندما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب أردوغان بتقديم اعتذار رسمي. وتزيد حقيقة العلاقة الجيدة بين أوباما وأردوغان من التوتر بين إسرائيل والبيت الأبيض.

ومن أهم الأمور التي تشاركت فيها تركيا والولايات المتحدة محاولة تنظيم انتقال سلمي للسلطة في سوريا. وبات أردوغان، الذي كان من أقرب حلفاء بشار الأسد، من ألد أعدائه. وكما هي العادة، صار الأمر يحمل طابعا شخصيا بالنسبة لأردوغان، حيث يشعر بأن الأسد نكث بوعده بإجراء إصلاح حقيقي منذ عدة أشهر. نكث الأسد بوعده بعد أن أخبر أردوغان الرئيس الأميركي بأنه سيصل إلى اتفاق خلال 72 ساعة، فشعر رئيس الوزراء التركي بإحراج شديد وغضب عارم. ولا يزال يشعر بالغضب حتى الآن دافعا تركيا إلى اتخاذ موقف صارم.

وتعتزم كل من واشنطن وأنقرة زيادة الضغط على الأسد، من خلال فرض عقوبات اقتصادية والقيام بأنشطة سرية لدعم المعارضة، وربما توفير ملاذ آمن على طول الحدود التركية وتقديم مساعدات إنسانية داخل سوريا.

ماذا عن العلاقات التركية مع إيران، التي تعد قنبلة موقوتة على حدودها؟ يشير مسؤولون في الإدارة الأميركية إلى أن أردوغان وافق مؤخرا على نشر نظام رادار في إطار نظام الدرع الصاروخية لحلف شمال الأطلسي، والذي يستهدف إيران بالأساس.