إيران تستعد للقتال دفاعا عن المنشآت النووية

TT

يبدو أن القيادة الإيرانية باتت تعتقد باقتراب موعد شن الهجوم الغربي لتحطيم مفاعلاتها النووية. وقد أعطى آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، تعليماته للأجهزة العسكرية بالاستعداد لحماية النظام. لهذا أصدر الجنرال محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، قرارا برفع مستوى الاستعداد القتالي لقواته، وأمر بنقل صواريخ «شهاب» بعيدة المدى لحماية المواقع الحساسة، وخاصة تلك المتعلقة بالمفاعلات النووية. كما تقرر أن يقوم سلاح الجو الإيراني بعمليات تدريبية لحراسة الأجواء من أي هجوم مفاجئ. وزادت الانفجارات التي وقعت مؤخرا بالقرب من قواعد حربية ومعامل اليورانيوم، الشكوك في أن الولايات المتحدة وإسرائيل تستعدان لتوجيه ضربة للمفاعلات الإيرانية. ويعتقد الإيرانيون أن حملة الاغتيالات وأعمال التخريب قد بدأت بالفعل في إيران، إلى جانب سقوط طائرة تجسس أميركية في شرق البلاد، ما هي إلا مقدمات لعمل عسكري يتم التحضير له.

ففي آخر اجتماع بين وفد إيران وممثلي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا لمناقشة البرنامج النووي، الذي عقد في إسطنبول في 22 يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلن سعيد جليلي، رئيس الوفد الإيراني، أن بلاده ترفض وقف تخصيب اليورانيوم أو وضع برنامجها النووي على أجندة المفاوضات. ثم أعلنت وكالة الطاقة الذرية في أكتوبر (تشرين الأول) عن وجود أدلة تؤكد قيام إيران حاليا بإنتاج سلاح نووي. وطالب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، إيران بالإجابة عن التساؤلات بشأن الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي.

ورغم تعرض البرنامج النووي الإيراني للكثير من الانتكاسات في الآونة الأخيرة، من بينها مقتل أربعة من العلماء النوويين وتعطل بعض أجهزة الكومبيوتر عن العمل لإصابتها بفيروس «ستوكس نت»، يبدو أن إيران تمكنت من التغلب على هذه العقبات وتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم. لهذا صار الخبراء الغربيون يخشون من أن المزيد من الوقت قد يسمح لإيران باستكمال إنتاج سلاحها النووي. ورغم المعاناة الاقتصادية التي يعيشها الشعب الإيراني بسبب العقوبات المفروضة على البلاد، ظلت طهران مصممة على موقفها المتشدد ورفض الحديث عن برنامجها النووي مع الدول الغربية.

في ذات الوقت تغيرت تقديرات الاستخبارات الغربية بشأن المدة التي تحتاجها إيران لإنتاج سلاح نووي، فبعد أن كانت إسرائيل تقول بأن إيران لن تحصل على هذا السلاح قبل عام 2015، قال وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس إن على القوى الغربية أن تعمل على افتراض أن إيران يمكنها الحصول على سلاح نووي بحلول العام المقبل، كما أعلن معهد الدراسات الاستراتيجية الدولي أن إيران تحتاج إلى عامين لإنتاج أول سلاح نووي. لهذا تفضل إسرائيل الآن الإسراع بهجوم مفاجئ لتدمير المفاعلات الإيرانية، بينما تهدد إيران باستهداف إسرائيل بوابل من صواريخها بعيدة المدى خاصة تلك التي في حوزة حزب الله بلبنان.

وعندما قررت بريطانيا فرض عقوبات على بنك إيران المركزي، واستهداف بعض الشخصيات التي لها علاقة بالبرنامج النووي، قام طلاب متشددون بمهاجمة السفارة البريطانية في طهران، مما أدى إلى طلب لندن إبعاد السفير الإيراني من بريطانيا، مما أثار موجة غضب دولية أسفرت عن سحب عدد من دول الاتحاد الأوروبي سفراءها من الجمهورية الإسلامية تضامنا مع المملكة المتحدة، كما أغلقت المدارس الأجنبية في إيران أبوابها.

وبينما يوافق العرب على حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، لم تحاول إيران طمأنتهم حتى يقفوا بجانبها، بل على العكس عملت على زيادة شكوكهم في نواياها. فمنذ بداية عام 2011 ازداد التوتر في العلاقات بين قادة الجمهورية الإسلامية والدول العربية المجاورة، خاصة دول الخليج. وبعد تدخلها الصريح في الشؤون الداخلية للبحرين وتشجيعها للفتنة الطائفية، تعرضت البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران إلى اعتداءات من قبل بعض المناصرين للنظام ووجهت إيران تهديدا للرياض والإمارات طالبة سحب قوات درع الجزيرة من البحرين. ثم أعلنت الكويت عن كشفها عن تسع شبكات تجسس إيرانية تجمع معلومات متعلقة بالأمن القومي وتخطط للقيام بأعمال تخريبية في البلاد، وتبين أن شبكات التجسس منتشرة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. وفي منتصف شهر أكتوبر الماضي أعلن وزير العدل الأميركي الكشف عن مؤامرة لاغتيال عادل الجبير، سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن، لها صلة بأجهزة الأمن الإيرانية. ومنذ قيام الثورة الخمينية في 1979، عملت إيران على إحياء مشاعر القومية الفارسية القديمة، معتبرة أن الأرض العربية التي تقع على الجانب الغربي للخليج، والتي تحتوي على أكثر من نصف احتياطي النفط في العالم، كانت جزءا من أراضيها التاريخية.

وفي ذات الوقت الذي تزايدت فيه احتمالات المواجهة العسكرية بين إيران والغرب، تسعى إيران لمساندة حليفها الرئيسي في العالم العربي، وحماية نظام بشار الأسد من السقوط. فبفضل تحالفها مع سوريا تمكنت إيران من اختراق المنطقة العربية تحت شعار المقاومة، ومد نفوذها في لبنان عن طريق حزب الله وإلى فلسطين عن طريق حركة حماس. ومع تزايد احتمال سقوط النظام السوري، بدأت القيادة الإيرانية تشعر بخيبة أمل لاحتمال ضياع فرصتها بتحقيق السيطرة على المنطقة العربية.

ورغم كل هذا فقد يكون الخطر الأكبر على النظام الإيراني هو الخطر الداخلي، حيث تستعد البلاد لإجراء الانتخابات البرلمانية في مارس (آذار) المقبل، مما قد يتيح الفرصة أمام الشباب الإيراني للانضمام إلى موجة الربيع العربي، والمطالبة بإسقاط النظام وحماية البلاد من خطر حرب خارجية باتت مؤكدة.