ثمن تذكرة المالكي لواشنطن!

TT

عشية زيارته إلى واشنطن، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الشعوب إلى تحمل مسؤولياتها في إيقاف الحاكم الجلاد الذي يمارس القسوة ضد شعبه، وجاء ذلك في كلمة ألقاها خلال الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان ببغداد.. فمن أين استلهم المالكي هذا الحكم، ولماذا الآن؟

فإلى ما قبل أيام والمالكي كان يحذر من خطورة سقوط بشار الأسد، ويقول إن سقوط طاغية دمشق يعني أن المنطقة ستعاني من أزمة طائفية، وعبر المالكي عن خشيته من تأثير ذلك على سوريا والعراق، وردت عليه واشنطن بالقول إن الخوف من الحرب الأهلية لا يبرر الدفاع عن الأسد. والغريب هنا أنه كيف تكون سوريا هي الخطر الطائفي في المنطقة كونها لديها حدود مع كل من لبنان، والعراق، والأردن، وتركيا، وإطلالة على المتوسط، أي أن أنف سوريا بأنف أوروبا، وهذا أفضل من أن يكون ظهرها بالطبع لعراق المالكي، بينما لا يكون مستقبل العراق نفسه في خطر مع اقتراب انسحاب الجيش الأميركي من هناك، وللعراق نفسه 6 حدود جغرافية مع كل من السعودية، والأردن، والكويت، وتركيا، وسوريا، وإيران التي لا يمكن أن تثق في يدك وهي تصافحها، لا أن تعطيها ظهرك، خصوصا أن نصف الإيرانيين لا يثقون في نظامهم، الذي ينطبق عليه قول المالكي بأنه على الشعوب أن تتحمل مسؤولياتها بإيقاف الحاكم الجلاد الذي يمارس القسوة ضد شعبه. فنظام أحمدي نجاد قام بوأد الثورة الخضراء بعنف ووحشية، ولا يزال اثنان من أبرز قادة المعارضة الإيرانية تحت الإقامة الجبرية.. فكيف يخشى المالكي إذن على سوريا، ومنها، بسبب سقوط الأسد، ولا يخشى على بلاده بعد الانسحاب الأميركي؟ التحليل الوحيد أن الدوافع هي طائفية النظام العراقي، والدور الإيراني فيه.

وعليه، فمن أين استلهم المالكي الحكمة، ولماذا شعر بالسوريين فجأة، ونظامه سعى إلى تعطيل كل جهد عربي من أجل وقف آلة القتل في سوريا؟ الإجابة بسيطة بالطبع، فتصريحات المالكي عن الشعوب، ومطالبتها بضرورة إيقاف الحاكم الجلاد، والتي اعتبرت تحولا في الموقف العراقي الرسمي تجاه ما يحدث في سوريا، جاءت مع زيارته لأميركا، وكم هو لافت أنه أسهل على المالكي زيارة واشنطن وطهران أكثر من زيارة محيطه العربي، وهذه قصة أخرى!

ولذا، فإن تصريحات رئيس الوزراء العراقي عن الحاكم الجلاد لا يمكن النظر إليها إلا كونها ثمن تذكرة سفره إلى واشنطن، ولقائه بالرئيس الأميركي باراك أوباما، وليست حرصا على حقن الدماء السورية البريئة من آلة القتل الأسدية، كما يحاول البعض في العراق الإيحاء به اليوم. وإلا فأين كان السيد نوري المالكي، منذ أسبوع، أو قل أسبوعين، من الحاكم الجلاد الذي ناهز عدد ضحاياه في سوريا قرابة خمسة آلاف قتيل حتى اليوم، ناهيك عن حمص المهددة بالاجتياح في أي لحظة، والمحاطة بآلاف من جنود النظام الأسدي وقواته المدرعة، وغيرها؟

[email protected]