شرف زيارة الكعبة

TT

عشت أجمل لحظات حياتي صبيحة يوم السبت الماضي في مكة المكرمة!

أكرمني ربي، وما أكثر فضله وكرمه على شخصي الضعيف، بأن أدخل من باب الكعبة المشرفة وأحضر مراسم فتح أبوابها يوم غسلها.

كانت تلك هي المرة الأولى التي أتشرف فيها بدخول بيت الله الحرام. بالنسبة لي كانت لحظة استثنائية حينما وطأت قدماي ذلك البيت المقدس الذي أرسى قواعده أبونا إبراهيم عليه السلام، وشرفه سيد الخلق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، حينما حطم الأصنام وطهر البيت وأعلن أنه لن يُعبد فيه بعد الآن سوى الله الواحد الأحد.

رائحة المسك الرائعة والمميزة تسيطر على المكان. المساحة على الواقع ليست شاسعة كما توقعت، بخلاف ما توحيه صورة الكعبة من الخارج، بضعة أمتار من ناحية الطول (العرض)، لكن ارتفاع السقف يعطيك شعورا بالامتداد اللامتناهي. الأرضية والجدران من الرخام الفاخر جدا، وبالداخل لوحة عليها آيات قرآنية ثم في نهايتها ما يشير إلى أن هذه التجديدات تمت في عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله.

صليت بصعوبة في كل ركن من أركان البيت الحرام تحية لهذا المقام العظيم، وانتابتني حالة من السكينة لم أشعر بها من قبل حينما أدركت أنني ضيف من ضيوف الرحمن، أقف تحت خط عمودي نهايته تصل إلى عظيم القوى، خالق الأكوان، الحق المطلق، المطلع، المدبر، من كان قبل القبل، ومن هو باق بعد البعد. وكأنك في نقطة هي مصعد روحاني إلى السماء، حيث ترتفع الأكف ضارعة، وتنهال العبرات، وتسمع أصوات المستضعفين المتوسلين لربهم بالعفو والمغفرة.

تذكرت أبي - رحمه الله - وأكثرت من الدعاء له بالرحمة والمغفرة وباللقاء في الجنة إن شاء الله. دعوت لأمي - حفظها الله - تلك السيدة الصبور التي تتحامل مع المرض والشيخوخة وفقدان شريك حياتها بكل الصبر والرضاء بما قدر الله. حمدت ربي على نعمة الزوجة الصالحة التي ساندتني وبذلت كل رخيص وغال حتى تنشئ لي بيتا دافئا هادئا مستقرا قائما على مخافة الله والرضا، ودعوت لها أن يجزيها كل خير عني وعن كل الأسرة. رفعت كفيّ داعيا لأولادي وبناتي بالصلاح والفلاح والصحة والعافية والرضا بقضاء الله وقدره. دعوت لأخويّ اللذين هما في مكانة أبنائي، وطلبت الصلاح والبركة لكل أفراد أسرتيهما.

تذكرت أصدقائي الحي منهم والذي واراه التراب. تذكرت أمتي ووطني وشعرت بغصة ووجع في صدري، إلا أنني أفقت في نقطة شديدة القدسية يرتفع فيها الدعاء بلا حجاب، وازداد إيماني بأن خالق الأكوان لن يترك عباده تحت سيف الظالمين.

وبينما أنا أغادر بيت الله الحرام تأملت عن قرب شديد أبواب الكعبة الذهبية، وتمنيت أن يحدث أمر ما وتنغلق علي وأنا بداخلها. وبينما أنا على سلم النزول، تذكرت أنني دعوت للجميع ولم أدع لنفسي، لكنني سمعت هاتفا بداخلي يقول «إن الذي جاء بك إلى هنا من دون موعد أو سعي منك، يعلم ما لا تعلم.. فاطمئن».

وغادرت المكان وأنا في حالة من السكينة لم أشعر بها من قبل. أحمدك ربي على نعمك التي لا تعد ولا تحصى.