بينما قدم العرب «المتخلفون، الذين لا يعرفون شيئا عن الممارسة الديمقراطية» آلاف الضحايا لإسقاط حكم الجهل، يبدأ أول مرشح جمهوري بارز حملته الانتخابية بالقول إن الفلسطينيين شعب لا وجود له، ذاهبا في استجداء دعم اللوبي الإسرائيلي إلى ادعاء لم تبلغه غولدا مائير.
هذه ليست مشكلة أخلاقية فقط، بل هي مشكلة تأهيل. المرشح نيوت غينغريتش يجهل – أو ينقض – كتب التاريخ المدرجة في البرنامج التعليمي الأميركي، ويجهل – أو يرفض – كل القرارات الدولية التي وقعت عليها بلاده، منذ عام 1947 حتى الآن، إضافة إلى ما تعلمه كنائس ومعاهد أميركا. فقد نفت غولدا مائير وجود فلسطين وليس وجود شعب فلسطيني، قائلة إنه كان هناك شيء اسمه جنوب سوريا وليس فلسطين.
اشتهر غينغريتش، خلال مرحلة ملاحقة بيل كلينتون في علاقته بـ«المتدربة» مونيكا لوينسكي؛ فقد طلب يومها الدخول إلى مخدع الرئيس في البيت الأبيض للبحث في الملابس الداخلية. ويخيل إليك أن مثل هذه الصغارة تكفي لإنهاء حياته السياسية، لكن الأعمار السياسية طويلة في أميركا، وغربال الديمقراطية واسع الثقوب.
وليس هناك ما يمنع أن يكمل صاحب الملابس الداخلية حملته؛ لذا يجب تضييق المقاييس؛ بحيث يشترط في المرشح للرئاسة ألا يسقط في امتحان بديهيات التاريخ. تذكرون أن المرشح جورج دبليو بوش لم يعرف اسم وزير خارجية باكستان ولا مواقع بعض دول العالم، لكن ذلك كان جهلا متوقعا في المعلومات الخاصة أو العامة، أو شيئا يسمى معرفة أو معلومات، أما هنا فإن الذي يعرض نفسه رئيسا على الأميركيين يقدم نفسه على أنه زلمة صغير من أزلام الحرب وجاهل من عتاة العنصريين.
لست من الذين يتابعون الحملات الرئاسية في أميركا؛ فقد تعلمت مع الوقت أنها كرنفالات لا معنى لها، وأن العقل يقضي بانتظار يوم إعلان النتائج؛ فالأميركي ينتخب يوما جون كيندي ويوما جورج دبليو بوش وطاقمه وخرابه المستمر. وقد انتخب الأميركيون مفاجأتين: الممثل رونالد ريغان، الذي حسم الحرب الباردة، والصائع بيل كلينتون، الذي صار صاحب أكثر العهود ازدهارا. والأرحم بالنفس ألا نتابع حملة هذا المهرج الغليظ.. فقد يصل.
لو كنت في مكاتب الجامعة العربية في أميركا لجعلت من أقوال المرشح الجمهوري إعلانا ينشر في سائر الصحف الكبرى. ومعه سؤال كبير: هل يمكن أن تثق بهذا الرجل رئيسا أو مسؤولا في مزرعة للأبقار؟ هل تأمن مثل هذا النفاق على مقتبل أولادك؟ هل تسلم المفتاح النووي لإنسان في مثل هذه الخفة؟