في حارتنا ديك

TT

أعتقد أن مقابلة بشار الأسد مع باربرا والترز بمثابة نقطة تحول في حياته السياسية. لماذا؟ السبب الأساسي أن بشار الأسد أصبح ديكتاتورا بالمصادفة. وقليل هم من يصبحون زعماء بالمصادفة في العالم، منهم على سبيل المثال راجيف غاندي وسونيا غاندي.

على الجانب الآخر، لم يصبح نيلسون مانديلا زعيما اعتباطا أو مصادفة؛ فقد وصل إلى هذه المكانة بعد سنوات من النضال والمطالبة بالحرية. بالتأكيد بشار الأسد زعيم بالمصادفة، فلو لم يفقد أخوه باسل حياته في حادث السيارة الشهير، لأصبح بشار طبيبا يعمل في مستشفى.

لقد وُضعنا أمام الكثير من الأفكار خلال المقابلة التي أجراها، حيث قال على سبيل المثال: «لا يوجد نظام في العالم يقتل شعبه إلا إذا كان قائده رجلا مجنونا». يبدو لي الأسد وكأنه يتحدث مثل أردوغان حين قال الأخير: «لا يمكن لنظام حكم أن يبقى بالقتل أو الاعتقال. لا يمكن لأحد أن يبني مستقبله على دماء المظلومين».

وفي واشنطن، قال الناطق باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، إن الأسد، بعد زعمه أنه غير مسؤول عن قتل الآلاف من البشر في سوريا، إما «منفصل» عن الواقع أو «مجنون».

وعندما سُئل عن عمليات التنكيل والقمع التي تمارسها قوات الأمن السورية، أبرأ الأسد ذمته منها، حيث قال: «إنهم ليسوا قواتي. إنها قوات جيش تابعة للدولة وأنا لا أسيطر عليها، فأنا لا أملك الدولة». إنه أمر لا يصدق، نحن نعرف أنه أحيانا يكون هناك تنافس أو صراع أو خلاف في الرأي بين قوات الأمن والجيش والسياسيين، فعلى سبيل المثال يعلم الجميع بالخلاف في الرأي بين وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين، حيث تسلط وزيرة الخارجية السابقة، كونداليزا رايس، قليلا من الضوء على الجانب المظلم من الإدارة الأميركية في كتابها «لا شرف أعلى». وذكرت في كتابها: «يبدو من المؤكد أن التوتر بين وزيري الدفاع والخارجية أمر حتمي، حيث يتذكر المرء أن كاسبر واينبرغر وجورج شولتز كانا لا يتحدثان معا. ولا يعود هذا، كما قد يظن البعض، إلى أن وزير الخارجية من كوكب السلام، بينما وزير الدفاع من كوكب الحرب، حيث كثيرا ما كان وزير الخارجية هو من يدفع باتجاه استخدام القوة أكثر من وزير الدفاع بسبب تحفظ المسؤولين التكنوقراط في استخدام القوة العسكرية». (ص 15).

وتطور رايس فكرتها لتصل إلى مستوى يتسم بقدر أكبر من الأهمية والحساسية من خلال تحليل دور نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، حيث ذكرت في الكتاب: «كانت المشكلة في إصرار طاقم عمل نائب الرئيس، الذي بدا من الصقور، على التصرف كقوة مركزية قائمة بذاتها. تم اتخاذ الكثير من الإجراءات باسم نائب الرئيس سواء كان هو من أمر باتخاذها أم لا». (ص 17)

هل يشبه وضع بشار الأسد في النظام السوري، وضع وزارة الخارجية أو نائب الرئيس في الولايات المتحدة؟ ما بين سطور حديث الأسد يمكننا قراءة اعترافه بوجود طريقتين للحكم في سوريا، حيث يزعم أنه ضد قتل واعتقال وتعذيب المواطنين وما إلى ذلك قائلا: «لم يصدر أمر بقتل أو تعذيب أحد».

من رئيس الأركان في سوريا إذن؟ من الحاكم وصانع القرار الحقيقي؟ من الذي يأمر بإبادة الشعب؟ من الذي أمر بتعذيب وقتل حمزة الخطيب؟ من الذي نحر عنق غاشوش؟ للأسف لا يوجد البدوي الأحمر محمد الماغوط ليكشف لنا الوجه الحقيقي للنظام السوري وقادته.

يقول بشار إن القوات العسكرية تنتمي إلى الوطن ولا أحد يملكها؛ مؤكدا أنه لم تصدر في سوريا أي أوامر من أي أحد بالقتل أو بارتكاب أي أعمال وحشية. ويقول محمد الماغوط:

السلام الوطني، الوئام الوطني، الخلاص الوطني، النضال الوطني، الإنقاذ الوطني، الوحدة الوطنية، الجبهة الوطنية، المواجهة الوطنية. ثم عندنا أحزاب وطنية، أناشيد وطنية، بترول وطني، مراحيض وطنية، لكن ليس عندنا وطن.

يقول الماغوط: «أين فاتان؟». يعتقد الأسد أنه ليس جزءا من المشكلة، بل يرى نفسه جزءا من الحل. إنه يرى نفسه بريئا، يحمي أرواح شعبه. يواجه الأسد بعض المشاكل بسبب «فاتان»، فهي السبب وراء كل المشكلات والكوارث الحالية في سوريا. كانت نبرة الأسد مختلفة في مقابلة أجراها منذ شهرين مع صحيفة «تليغراف»، حيث صرح للصحيفة البريطانية في أكتوبر (تشرين الأول) بأن أي تدخل أجنبي سوف يؤدي إلى «إشعال» المنطقة بأكملها.

وأضاف: «سوريا قلب المنطقة. إنها خط أحمر، فإذا لعبت بالأرض سيحدث زلزال. هل تريد أن ترى أفغانستان أخرى؟ أو ربما تتحول عشرات الدول إلى أفغانستان. لقد تم القيام بهذا للإيحاء بوجود مشكلة بين العرب مما يمنح الدول الغربية ذريعة للتدخل العسكري ضد سوريا». وحذر من العواقب الكارثية لهذا التدخل والتي قد تهزّ أركان الشرق الأوسط بأكمله.

لقد بات رجلا مختلفًا تمامًا. وضعه غريب، حيث يبدو أنه ينأى بنفسه عما يحدث، فهو لا يقبل تحمل أي مسؤولية عن قتل الشعب في سوريا. وكما هي العادة، نُشرت المقابلة في سوريا بعد اقتطاع الرقابة لبعض الأجزاء منها، حيث يغيب أي سؤال جاء في المقابلة الأصلية. ونشرت كل الصحف تقرير الوكالة العربية السورية للأنباء. على سبيل المثال نشرت صحيفة «الجماهير» المقابلة دون أي ذكر لسؤال واحد، ومع ذلك زعمت الصحيفة أنها نشرت النص الكامل للمقابلة. يوضح هذا المثال تناقض النظام السوري. السؤال الهام الذي يثيره هذا الأمر: هل يشعر بشار بقرب نهاية النظام بحاسته السادسة؟ ما الذي جعله يغير موقفه فيما يتعلق بقتل الشعب السوري؟ هل صحيح أن حزب البعث وقوات الأمن تخطط لانقلاب يطيح به؟ هل يمكن أن تلعب المصادفة دورا في خلع زعيم تقلد السلطة مصادفة؟

هل نحن إزاء ظهور ديك جديد؟

في حارتنا ديك

ثمة ديك

عدواني فاشستي

نازي الأفكار

يسرق السلطة بالدبابة

ألقى القبض

على الحرية

والأحرار

ألغى وطنا

ألغى شعبا

ألغى لغة

ألغى أحداث التاريخ

وألغى أسماء

الأزهار..

في حارتنا يذهب ديك..

يأتي ديك..