مصر.. وبكى الرجل العجوز!

TT

يا لها من مفارقة محزنة في مصر! فقبل أشهر بكى شاب مصري، وائل غنيم، من عجائز مصر، وعلى رأسهم الرئيس السابق حسني مبارك، فأبكى الشارع المصري، وأدمى أعين العرب، واليوم وبعد أشهر قليلة يبكي رجل عجوز، وهو كمال الجنزوري، من وضع مصر، بل وقل شبابها.

مفارقة عجيبة، ومؤلمة، لكنها تقول الكثير، فالشاب بكى من حرقة الألم والإهانة، والإيمان بأحلام ربما جلها غير واقعي، حيث إن الدول لا تبنى بالدموع فقط، واليوم يبكي الرجل العجوز، رئيس الحكومة المصرية الحالية، حرقة على واقع مصر، والخطر الذي يتهددها لأنه يعلم أن مصر لا يمكن أن تبنى بمليون شاب متحمس، وأضعافهم من الإخوان المسلمين المتربصين، بل بالعمل الجاد والدؤوب، وأهمه عقلانية المطالب، وتوحيد الصفوف، بالنسبة للشباب الثائر.

فواقع مصر الاقتصادي يشارف على الانهيار، وواقعها السياسي عبارة عن حالة فوضى، وأخطر ما فيها أن الجميع متربصون ببعضهم البعض، وما يشعل الأمر أكثر، ويجعله شديد الخطورة، أن جميع نيات «الإخوان»، والسلفيين، لا تنبئ بخير، وواقع الشباب وتشتتهم يزيد الأمر تعقيدا، وهناك خطر آخر، وهو أداء المجلس العسكري، وتحديدا سياسيا، حيث التردد واتخاذ القرار ثم التراجع عنه، والأخطر أن المجلس بات يتصرف إعلاميا كالإخوان المسلمين، حيث كثر المتحدثون، ومن يوضحون حديث المتحدثين، ومن يشرحون ما قاله الموضحون لحديث المتحدثين، وهذه ربكة لا تفيد أحدا على الإطلاق، بل إنها تعمق انعدام الثقة!

فإذا كانت دموع الشاب المصري، وائل غنيم، قد ألهبت مشاعر كثير من الناس، فإن دموع الرجل العجوز، كمال الجنزوري، يجب أن تقلق العقلاء في كل مكان. ولذا فإن الخوض في كل تفصيلة مصرية، بالنسبة للمصريين، ما هي إلا مضيعة وقت، وتشتيت منظم، مثلما فعل «الإخوان» بالشباب المصري طوال الأشهر الماضية، وألهوهم عن العمل السياسي، حتى جاءت نتائج الانتخابات مخيبة للشباب. ومن أجل ذلك فإن أفضل ما يفعله الشباب المصري اليوم، ومعهم القوى السياسية، هو التركيز على ما قلناه مرارا وتكرارا، وهو كتابة الدستور المصري، وضمانة أن يحتوي على نصوص واضحة لا لبس فيها حول مدنية الدولة المصرية، وليس المراجع الدينية، وضمان التداول السلمي للسلطة. فالعلة الناصرية، مثلا، استغرقت من عمر المصريين، والمنطقة، قرابة خمسة عقود، فكيف سيكون الحال مع الداء «الإخواني»؟!

والمفروض بالشباب، والقوى السياسية أيضا، التركيز على أن تكون هناك صلاحيات حقيقية للرئيس القادم تمنع تحوله إلى «فرعون» جديد، وتمنع تحول البرلمان أيضا إلى مسرح للتطرف والمزايدة.. دستور يراعي الأقليات، والحريات، والحقوق، والعدالة، ويزف مصر للعالم المتقدم، وليس دستورا مشابها لدستور الخميني في إيران.

وعليه، فقد بكى العجوز اليوم بعد أن بكى الشاب، والخوف كل الخوف، لا قدر الله، أن يبكي غدا المصريون جميعا مما سيؤول إليه وضع مصر بين «الإخوان» والسلفيين المتربصين، ومن فوضى الشباب الحالمين، والحلم لا يبني الدول، بل العمل الجاد، والرؤية الواقعية التي يجب أن تسود في مصر اليوم، ومن قبل الجميع.

[email protected]