الثورة والأحزاب الدينية

TT

أعرب السيد محمد هلال من السعودية عن امتعاضه الشديد من قولي بأن الغرب قد ورط الثوار السوريين. أتفق معه في ذلك، وأعتذر عن خطأي هذا الذي ورطني فيه الغرب أيضا. ما كنت أقصده هو انتقاد الغرب على حث السوريين على الثورة؛ بل وحمل السلاح، ثم الامتناع عن دعمهم عسكريا، واستعمال سياسة مضطربة ومشوشة في التدخل العسكري هنا وعدم التدخل هناك. يبدو أن توريط الآخرين أسلوب دأب عليه الأميركان كما فعلوا في توريط صدام حسين بغزو إيران ثم غزو الكويت (في ما قالته سفيرتهم لطارق عزيز).

انتقدني آخرون على موقفي السلبي من الأحزاب الإسلامية، وتساءل آخرون عن سر جمود العلمانيين والديمقراطيين واليساريين ووقوفهم على التل في مقارعة الأنظمة الفاسدة. السر في ذلك، هو شعور هذه الكتلة بالإحباط والشك في العملية السياسية العربية. فتجربة الديمقراطية؛ بل وحتى الإطاحة بصدام حسين، لم تأت بثمرة مفيدة في العراق، ومن قبل ذلك، فشلت الاشتراكية في مشاريعها.. في سلطنة عمان، لم تستطع أي امرأة أن تفوز بكرسي في الانتخابات. وحيثما جرت انتخابات، صوت الناخبون لجهلاء وانتهازيين. هناك يأس عام أخذ يحمل أبناء هذه الكتلة على مهاجرة أوطانهم إلى الغرب حيث يجدون أفكارهم منفذة.

فضلا عن ذلك، أبناء هذه الكتلة العلمانية غير مستعدين للاستشهاد والتضحية كالإسلاميين الذين يعتبرون الشهادة جزءا من إيمانهم، وهم يتذكرون ما ذُكر في الأثر: «لا دين لمن دان بولاية إمام جائر». هذا سر هذه الثورة العارمة في سوريا، ومن قبلها في ليبيا.. الخضوع لحاكم جائر كفر.

ومن هذا المنطلق، يزخر الإسلاميون بطاقة روحية هائلة في مقارعة الظلم والوقوف ضد الفساد، وهو الأمر الذي نتج عنه هذا الزواج العجيب بين الإسلاميين والماركسيين عالميا. لم يعد بيد الماركسيين غير الفكرة، في حين يملك الإسلاميون القوة. كما أن الحركات الإسلامية الآن، وعلى الخصوص في مصر، تتمتع بقدرات تنظيمية وتخطيطية جيدة ولها تكتيكها واستراتيجيتها الناجحة، وبالطبع تتمتع بتأييد الأكثرية.

ولكن مشكلة الإسلاميين تنفجر عندما يتسلمون الحكم.. سيجدون أن عليهم أن يتخلوا عن تطبيق بعض مبادئ الشريعة، فالكثير من متطلباتها لم يعد ينسجم مع متطلبات الدولة الحديثة والاقتصاد الوطني والتعامل العالمي والعولمة وكثير من المواثيق الدولية.. عليهم أن يحتذوا إسلام تركيا والأحزاب الدينية في أوروبا.. فالديمقراطيون المسيحيون في ألمانيا مثلا لا يلتزمون بأي شيء من المسيحية؛ بل ويقفون بجانب اليمين. على نقيض ذلك، تستطيع الأحزاب الإسلامية أن تميل إلى اليسار وتملأ هذا الفراغ الذي خلفه الفشل الاشتراكي.. تستطيع أن تقف في وجه الفساد والظلم وتطالب بحقوق الضعفاء والمحرومين واحترام القانون والشفافية وحقوق الأقليات ومحاربة الإرهاب والعنف وقتل النفس من دون حق.. وكلها أركان حميدة من أركان ديننا الحنيف لو أدركنا حقيقتها وتمسكنا بها. تبني هذه المبادئ والتصريح والالتزام بها سيزيل مخاوف الآخرين؛ محليا ودوليا، من تسلم الإسلاميين الحكم. ولعلهم يحققون ما فشل فيه الآخرون ويجعلون من الإسلام مفخرة نعتز بها بين الأمم.