البريطانيون سعداء.. رغم أزمة اليورو

TT

كان أسبوعا ممتعا! هناك ثلاثة أحداث أود أن أشير إليها، قبل أن أبدأ في تناول الموضوع الرئيسي في هذا المقال. أولا، بينما أكتب هذا المقال ويكافح قادة منطقة اليورو من أجل التوفير في عملتهم، تستفيد بريطانيا من مقياس مزدوج للأخبار الجيدة فيما يتعلق باقتصادها. تشير الأرقام الرسمية الإيجابية في ميزانها التجاري إلى أن مصدريها سجلوا رقما قياسيا في المبيعات بالخارج على الرغم الأزمة المستمرة في منطقة اليورو، في حين تباطأ الارتفاع في أسعار تسليم المصانع، أي تكلفة السلع التي تخرج من المصانع، وهو ما يعد خطوة إيجابية نحو نظرة مستقبلية بشأن التضخم.

أما الحدث الثاني، فيتعلق بمنطقة اليورو. فقد أقر رئيس المفوضية الأوروبية السابق، جاك ديلورس، بأنه في التسعينات من القرن العشرين، آثر قادة المفوضية الأوروبية غض الطرف عن مواطن الضعف في الاقتصاد لدى بعض الدول الأعضاء، والآن، مع ظهور القضايا على السطح، لم يكن رد الفعل كافيا. في أحد المقالات، أشار ديلورس إلى «عيب في التنفيذ»، بمعنى أن الأزمة الحالية التي تشهدها منطقة اليورو كانت أمرا حتميا. وقد اعترف بأنه عندما حذر «الأنغلوسكسونيون» من أن وجود بنك مركزي واحد وعملة واحدة من دون دولة واحدة سيكون أمرا غير دائم «كانوا محقين».

كان آخر شيء لاحظته هذا الأسبوع هو إعلان من مكتب الإحصائيات الوطنية في بريطانيا. ووفقا لأول استبيان رسمي يجريه المكتب كجزء من «مؤشر سعادة»، اتضح أنه على الرغم من كل المخاوف بشأن منطقة اليورو والمخاوف المتعلقة بالوظائف والنفقات المرتفعة، ما زال البريطانيون يتمتعون بالسعادة، وقد صنف ستة وسبعون في المائة من البريطانيين أنفسهم على أنهم سعداء، وذكر نحو ثمانية من بين كل عشرة أفراد أنهم يعتقدون أن الأعمال التي يزاولونها في حياتهم تستحق العناء. وعلى الرغم من ذلك، ففي آخر مقال لي، أشرت إلى أنني سأعيد النظر في البنية التحتية مجددا هذا الأسبوع.

تدين بريطانيا بالفضل في بنيتها التحتية لمجموعات كثيرة مختلفة من الأفراد ذوي المهارات المتنوعة وعبر عدة قرون. لقد قدم الرومان القدماء مساهمة قوية في هذا الصدد.

في بريطانيا، مثلما هو الحال في مقاطعات أخرى، أقام الرومان شبكة كاملة من الطرق الرئيسية الممهدة. وكانت وظيفتها الأساسية هي السماح بالحركة السريعة للإمدادات، كما وفرت بنية تحتية أساسية للتجارة ونقل البضائع. ما زالت شبكة الطرق الرومانية كوسيلة اتصال تؤثر فينا، وكان طابع النظام والشمولية عند الرومان مؤثرا. كما قدم الرومان أيضا بنية تحتية اجتماعية.

إضافة إلى ذلك، فإن البنية التحتية الناجحة بحاجة إلى حكومة جيدة، سواء اليوم أو منذ قرنين ماضيين، ويجب أن تتوافق الميزانيات معها.

دعوني أقتبس من كلمة ألقيت حول هذا الموضوع: «يجب أن تكون الميزانية متوازنة.. يجب خفض حجم الدين العام.. ينبغي أن يتعلم الناس مجددا العمل بدلا من الاعتماد على الإعانات الحكومية...» تبدو تلك العبارة مألوفة في يومنا هذا، ويمكن أن تأتي من أي دولة أوروبية، لكنها كلمات جاءت على لسان الفيلسوف الروماني ماركوس توليوس في عام 55 قبل الميلاد.

يبدو ارتباط هذا القول بالبنية التحتية في القرن الحادي والعشرين مماثلا، حتى اليوم، على نحو سريع جدا إلى وقتنا الحاضر. جاء في الملخص التنفيذي في بيان الربيع لوزير المالية البريطاني في يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني): «سوف تقوم الحكومة بتخفيضات دائمة في الإنفاق، باستخدام مدخراتها على مدار تلك الفترة لتمويل استثمار البنية التحتية اللازم للنمو ودعم الحراك الاجتماعي».

وفي اليوم نفسه، 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، نشرت الحكومة البريطانية خطة البنية التحتية الوطنية لعام 2011. وجاء في الفقرة الافتتاحية منها: «تمثل شبكات البنية التحتية عماد الاقتصاد الحديث وتعتبر عاملا أساسيا محددا للنمو والإنتاجية». إنها نفس الدولة وألفية مختلفة، لكن النظرية واحدة.

في كل بقاع العالم، يمثل الاستثمار في البنية التحتية أحد أوجه الإنفاق المربحة، فهو يخلق وظائف على المدى القصير، وعلى عكس الإنفاق الحكومي، يساعد أيضا في تحقيق النمو على المدى الطويل. ومن الأسهل جذب استثمارات أخرى إلى دولة بها شبكة نقل جيدة.

إن استراتيجية الحكومة البريطانية تتمثل في الاستمرار في إشراك القطاع الخاص في هذا الشأن. ويعتبر هذا نموذجا ممتازا يجب أن تحذو حذوه الكثير من الاقتصاديات الأخرى، ويشمل ذلك كثيرا من الاقتصاديات الناشئة.

في الأسبوع الماضي، ذكرت أن مؤسسة التمويل الدولي قد أشارت إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمتلك أقل كم من استثمارات البنية التحتية الخاصة في العالم.

سيكون توظيف اتفاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص وسيلة منطقية لمعالجة هذا العجز. يمكن أن يولد القطاع الخاص وظائف مستديمة معتمدة على المعارف عالية الجودة للأعداد المتزايدة من السكان في الكثير من الدول ذات الاقتصادات الناشئة في سياق هيكل يدعمه القطاع العام، الذي سينمِّي بالتبعية قدرته على تصميم سمات الجودة الخاصة ببنيته التحتية الاجتماعية المتنامية. تمثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص فرصا أفضل لتطوير الاقتصاد، جنبا إلى جنب مع زيادة الوظائف وإنعاش القطاع الخاص. وستنشأ صناعات خدمية محلية جديدة.

وربما يتمثل نموذج مناسب للشراكة بين القطاعين العام والخاص في تهيئة نموذج التصميم والبناء والتمويل والتشغيل المعتمد على الدخل السنوي الذي تمثله مبادرة التمويل الخاص في بريطانيا واليابان وماليزيا. ويعتبر هذا نظام توفير خدمات معتمد على الإعانات المالية أو الدعم المالي.

كان كل هذا مجرد رؤية بالنسبة لبعض الدول التي أدى فيها عجز الشعب، وفي بعض الأحيان الحكومة، عن سداد تكلفة الخدمات العامة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى أمر صعب. ويتمثل أحد الأساليب في تعديل أسلوب تقديم الإعانات المالية عن طريق إدخال نظام الإعانات المعتمدة على الإنتاج. ويشير هذا النظام إلى استراتيجية إعانات التطوير التي تربط تقديم الخدمات العامة في الدول النامية بإعانات مرتبطة بمستوى الأداء المستهدف. ويمكن أن تقدم مثل هذه الإعانات في مجالات المواصلات والتعليم والمياه وأنظمة التنظيف والتطهير، وتقديم الرعاية الصحية، حيث تتجاوز المظاهر الخارجية الإيجابية استرداد التكاليف من الأسواق الخاصة.

وعلى غرار أي نظام دعم مالي، يتمثل مبدأ نظام الإعانات المعتمدة على الإنتاج في الدفع لمقدمي الخدمات مقابل تحقيق مستوى جودة معين متفق عليه مسبقا ومقابل سعر متفق عليه مسبقا. ويحول هذا الأسلوب بالأساس مخاطر عدم التسليم إلى مزود الخدمة أو منفذ المشروع، مما يجعله متوافقا مع مطالب المتبرعين المتزايدة بالحصول على إعانات؛ ليست فقط أكثر فاعلية في تحقيق نتائج، وإنما أكثر شفافية.

ويمكن أن توجه الإعانات المالية إلى أفراد أشد فقرا. على سبيل المثال، في مجال الرعاية الصحية، ستمنح إيصالات للضمان للمرضى الذين يحتاجون لرعاية طبية ولكنهم لا يملكون الأموال الكافية.

وتكفل إيصالات الضمان لهؤلاء المرضى الذهاب إلى المستشفيات أو العيادات، حيث يتلقون الرعاية الطبية التي يحتاجونها. وستمنح إعانة للاختصاصي الذي قدم الرعاية الطبية في العيادة أو مركز الرعاية الصحية مقابل تقديم الخدمة من قبل أحد المتبرعين.

سوف تظل هناك حاجة إلى استشاريين متخصصين على درجة عالية من المهارة والخبرة لجعل أي مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص قابلا للتطبيق. وعلى غرار النموذج الروماني في بريطانيا، سوف تستفيد بعض الدول الناشئة من مشاركة الأجانب المهرة في إنشاء بنيتهم التحتية، لكن على عكس الغزاة الرومان، يجب أن يكون ذلك في إطار علاقات الشراكة وبمشاركة المعلومات. يحقق تطوير البنية التحتية الجيدة النمو على المدى الأطول، ويستفيد الجميع من النمو.

* أستاذ زائر بكلية إدارة الأعمال بجامعة لندن ميتروبوليتان

ورئيس شركة «ألترا كابيتال»