قمة أخرى مخيبة للآمال

TT

بصرف النظر عن الإثارة التي أحدثها الفيتو البريطاني، كانت قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة التي عقدت يومي الثامن والتاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي قمة أخرى مخيبة للآمال. أحد الأسباب في ذلك أنها لم تشهد بزوغ قوة مالية طاغية تطمئن الأسواق بتوافر الموارد اللازمة للتدخل لدعم دول منطقة اليورو الهامشية أو مصارف منطقة اليورو إذا ما لزم الأمر. وكانت هناك وعود بتقديم 200 مليار دولار في صورة قروض ثنائية من البنوك المركزية الأوروبية يتم ضخها عبر صندوق النقد الدولي، وبداية مبكرة لمرفق الاستقرار المالي الأوروبي العام القادم بتمويل يقترب من 500 مليار يورو. لكن ذلك قد لا يبدو كافيا لإقناع الأسواق واستعادة الثقة. وقد ازدادت مشكلات التمويل التي تواجه مرفق الاستقرار المالي الأوروبي سوءا في إعقاب إعلان «ستاندرد آند بورز» نيتها خفض تصنيف كل دول منطقة اليورو، وهو ما يشير إلى خفض متوقع لتصنيف مرفق الاستقرار المالي أيضا.

وفي كلمته أمام المؤتمر، في الثامن من ديسمبر، بدد ماريو دراغي توقعات السوق بعمليات شراء سندات غير محدودة أو محسنة على الأقل والتي توقعتها السوق في تصريحاته السابقة بشأن مزيد من التحرك في أعقاب الاتفاق المالي. كانت تلك هي القوة الدافعة التي تنتظرها الأسواق. وقد ألغت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من جدول الأعمال السندات الأوروبية المصدرة بصورة مشتركة، تلك الآلية الجديدة التي ربما تكون قادرة على تلبية مطالب التمويل لدول منطقة اليورو الهامشية.

ويوفر الاتفاق المالي الذي تم التوصل إليه في القمة لأعضاء منطقة اليورو لوضع قيود دستورية على عجز الميزانية، ووضع قيود بنيوية على العجز في الميزانية بـ0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتمكين محكمة العدل الأوروبية لمراجعة قوانين ميزانيات الدول الأعضاء في منطقة اليورو وفرض غرامات تلقائية على الأعضاء الذين تتجاوز نسبة العجز في الميزانية لديهم عن 3 في المائة ما لم يتم الاعتراض على ذلك بأغلبية الأصوات المؤهلة. وعلى الرغم من أن فرض قدر أكبر من الانضباط في ميزانيات دول منطقة اليورو في الميثاق المالي قد يوفر إطار عمل مناسبا على المدى المتوسط والبعيد، فإنه لا يقدم ما يكفي لحل الأزمات الملحة.

أضف إلى ذلك غياب تدابير تعزيز النمو أو تعزيز القدرة التنافسية لاقتصادات منطقة اليورو الهامشية. وربما يتم التعامل مع هذه العناصر من السياسة الاقتصادية في اجتماعات الميثاق المالي الشهرية. بيد أنه كان يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي أن يشيروا إلى أن هذه مناطق مهمة ينبغي التعامل معها.

وكما أعلنت الاتفاقية التي أبرمت في قمة كان سيتمكن الاتفاق المالي من توفير ما يكفي لتجنب حدوث فشل كلي - حالة أخرى من التخبط أو المماطلة.

نتيجة هذه معطيات هذه الخلفية، استقبلت وسائل الإعلام رفض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للاتفاق المالي باهتمام فاق مضمون الاتفاق نفسه. وعلى ما يبدو فقد كان الهدف الرئيس من استراتيجية كاميرون هو استرضاء الجناح المتشكك من حزبه تجاه أوروبا. طلب كاميرون بروتوكولين كشرط لموافقته على الاتفاق المالي هما: حماية السوق الواحدة وحماية لندن من التشريعات المالية المغالية. بيد أن طلب بروتوكول لحماية السوق الواحدة لا معنى له عدا كونه أمرا رمزيا أو تصريحا سياسيا، لأن أي توجيهات من قبل الاتحاد الأوروبي تؤثر على السوق الواحدة سوف تحتاج إلى موافقة بالإجماع من قبل جميع الدول الأعضاء، بما في ذلك المملكة المتحدة. وفرض ضريبة على المعاملات المالية التي يتوقع أن يقرها الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، لا يمكن أن تفرض على المملكة المتحدة دون الحصول على موافقة المملكة المتحدة، لأن أوامر ضريبة الاتحاد الأوروبي لا يمكن إقرارها عبر تصويت أغلبية مؤهلة. وطلب وضع بروتوكول لحماية مدينة لندن من التشريع المالي هو طلب ذو مغزى، لأن التشريعات المالية يمكن تبنيها من خلال تصويت الأغلبية المؤهلة.

هذه هي الحالة بالنسبة لمعاهدة لشبونة القائمة ومخرج للمملكة المتحدة، في ما يخص التشريعات المالية لا يتوقع أن يذعن شركاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، خاصة من دون مناقشة كبرى والتوصل إلى اتفاق أفضل. وقد قدم كاميرون إشارة رمزية لقيت استقبالا حسنا للغاية من أنصار حزبه، لكنها لا توفر للمملكة المتحدة أي حماية جوهرية من مزيد من التشريعات الأوروبية، وضحى بمقعد بريطانيا على طاولة التفاوض.

من الناحية العملية، تسير أوروبا بثلاث سرعات، الحلقة الداخلية من دول منطقة اليورو السبعة عشر، والحلقة الثانية من الدول الموقعة على الاتفاق المالي من غير منطقة اليورو ثم المملكة المتحدة. ويتوقع أن يدفع هذا الانتصار الرمزي بالمتشككين بشأن منطقة اليورو إلى مواصلة النضال من أجل عقد استفتاء وإجراء مزيد من التغييرات في علاقة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. أضف إلى ذلك احتمالية استمرار العلاقات المتوترة بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الست والعشرين، حيث ستحاول دول الاتحاد العمل على تفعيل الاتفاق المالي، بينما ستحاول المملكة المتحدة منعهم من استغلال المؤسسات الأوروبية القائمة، وهو ما يبرز بصراحة مؤلمة صعوبات التعامل مع الأزمات داخل إطار عمل الاتحاد الأوروبي.

* مصرفي ومحام أميركي ـ

المدير التنفيذي والشريك بشركة «ايميرجينغ غروث إنفسمينت بارتنرز» في حي المال البريطاني