النساء في زمن الثورات

TT

من بين الوجوه الشابة الكثيرة التي برزت في موجة الربيع العربي التي اتسم بها عام 2011 الموشك على الانتهاء اختير وجه نسائي هو توكل كرمان، الناشطة اليمنية، لجائزة نوبل للسلام، أبرز جوائز التكريم العالمية، ولم يكن ذلك محض مصادفة!

فإذا كان ما حدث في المنطقة، بدءا من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا الآن، مفاجئا أو لم يكن متوقعا بهذا الحجم وبهذه الطريقة الشعبية، على الرغم من أن كل العوامل كانت تتفاعل وتشير إلى انفجار مقبل لم يستطع كثيرون التنبؤ بتوقيته أو كيفية حدوثه، فإن المفاجأة الثانية هي الحضور القوي للمرأة في الاحتجاجات والثورات بشكل غير الانطباع الذي كان سائدا في العالم بأن هذه مجتمعات ذكورية تعيش المرأة على هامشها.

ففي هذه البلدان كلها كانت الصور المنقولة تلفزيونيا وفوتوغرافيا للمظاهرات والاحتجاجات تُظهر الوجوه النسائية حاضرة وسط الحشود وبالهتافات، والناشطات لعبن دورا كبيرا في التعبئة الجماهيرية والتحريض، وكانت المطالب عامة لم يكن فيها أي مطالب نسائية، وإن كان بالطبع المتوقع أن تكون هناك مطالب فيما بعد في ضوء الشراكة في التغيير.

ولعل أبرز كلمات توكل كرمان بعد تسلمها جائزة نوبل للسلام مع شريكتيها الليبيريتين هي إبداء أسفها لأنها لا تستطيع الترشح للرئاسة، وأيضا إبداء عدم قلقها على حقوق المرأة في ضوء أنها إحدى ناشطات حزب الإصلاح الذي يمثل تيار الإسلام السياسي في اليمن، وهو تيار يعطي دائما انطباعا عن نفسه بأنه ليس صديقا لدور المرأة في الحياة العامة، فهل تغير ذلك؟ هذا سؤال مفتوح الإجابة عنه متروكة للأيام والتجربة، فنحن في مياه جديدة لم تختبر بعدُ، وما زالت دوامتها وأمواجها في طور التشكل والتفاعل.

وإذا كانت البلدان التي بدأت أولى خطوات التغيير بعد رحيل الأنظمة السابقة قد دخلت مرحلة التأسيس لشكل النظام الجديد من خلال انتخاب برلمان بعد الثورة في تونس أو العملية الجارية في مصر لانتخاب البرلمان الأول أيضا، فإن الواضح أن حصة المرأة في التصويت على مقاعد في المجالس الجديدة أو في النظام السياسي الجديد في ليبيا لا تتناسب مع حجم الدور الذي شاركت به في التغيير؛ فالناخب لم يتغير كليا، ولا يزال يصوت بطريقة تقليدية فيما يتعلق بالمرشحين والمرشحات، والقوى السياسية الجديدة التي ظهرت على الساحة ما زالت لا تعطي المرأة حصتها التي تتناسب مع حجمها في المجتمع.

وهي مسألة يُعتقد أنها ستأخذ وقتا؛ لأن تغيير الثقافة المجتمعية لا يجري بضغطة زر، وإنما هي عملية مستمرة متفاعلة تتطور بقدر ما هناك حيوية سياسية وثقافية في المجتمع.

وقد يكون من المناسب التفكير في مسألة الكوتا أو تحديد حصة معينة للمرأة في المجالس المنتخبة المقبلة، أي اللجوء إلى فكرة «التمكين» لفترة معينة لتعويد المجتمع وإثراء الحياة السياسية؛ بحيث يتعود الناخب على حضور المرأة السياسي داخل المؤسسات الجديدة، وهي فكرة قديمة لجأت إليها حتى بعض الأنظمة التي أطيح بها، وقد تكون طبقت بشكل مشوه أعطى انطباعا خاطئا، لكن ليس كل قديم خاطئا، فالنساء يستحققن التمكين في زمن الثورات باعتبارهن شريكات فيها، وفي المجتمع.