بعد الربيع العربي.. هل واشنطن بحاجة إلى حلفاء جدد؟

TT

لا شك أن أحداث الربيع العربي، على الرغم من توقع الغرب المسبق لها كما بشرت بها كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في حرب تموز عام 2006، تمثل ميلادا جديدا لعالم عربي مختلف بل وربما لشرق أوسط جديد.. واليوم الربيع العربي بدأ يزحف إلى أقطار أخرى، فهي ظاهرة أكثر منها حدثا كما أنه نتيجة ونقلة نوعية للأوضاع في بعض الدول العربية ولم يكن لها أن تبدأ لولا أننا دخلنا في عصر الجماهير. الآن الشارع هو صانع الثورة؟ إننا أمام مشهد غير مسبوق قد يفتح الباب للشعوب المقهورة في الشرق الأوسط لتأسيس الدولة الديمقراطية العصرية..

ولو خصصنا بالذكر الشعبين الكردي والفلسطيني بالكلام فإننا نرى في كثير من الأحيان نعت البعض للدولة الكردية بأنها إسرائيل ثانية في قلب الشرق الأوسط إلى درجة أن شعور الرفض والكراهية إزاءها يتجاوز شعور الحقد والكراهية تجاه دولة إسرائيل، الطفلة المدللة للولايات المتحدة.

والحق أن هذا السلوك السياسي الانطوائي يتضمن ازدواجية صارخة تجاه الحقوق المشروعة للشعبين الكردي والفلسطيني معا. وذلك لأن التعامل مع حقوق الشعب الكردي لا يحتاج إلى إدخال مصير هذا الشعب في معمعة وتفاعلات الصراع العربي الإسرائيلي بجميع جوانبها وتداعياتها، بغض النظر عن توجههم في مسألة الفدرالية لإقليم كردستان العراق وهي صيغة أقرب إلى صيغة توحيدية تتفق مع حقيقة الأوضاع في عراق اليوم.

وهذه المسألة المصيرية عندما تطرح على بساط البحث والواقع، تبدو أعقد من هذا التبسيط، مع هذا فإن الظرف التاريخي والمعطيات الدولية في المنظور القريب قد يساعد كرد العراق على تحقيق رؤاهم بقرب المنال وقد يكون مؤجلا إلى عقود طويلة وهذا مرهون بمفاجآت الأيام القادمة؟ وعلى الرغم من ذلك فإن القيادة الكردية في إقليم كردستان تقمصت صيغة من صيغ التعايش السلمي مع المكونات العراقية الأخرى، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن تاريخ وجغرافيا إقليم كردستان يفرضان مقتضياتهما هذه الصيغة، وبإمكان الدول العربية الشقيقة التعامل معها وقبولها.. لأن إقليم كردستان لا يمكن أن يكون عراقيا وعربيا في آن واحد وهذا ما أقرته مواد الدستور العراقي الجديد بقوله إن الشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية.

وإذا تحدثنا عن الجانب الأميركي بوصفه لاعبا ومحركا أساسيا في معادلة تتعامل مع المعطيات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، فهي تعلم جيدا أن العراق مهم جدا وليس من السهل مغادرته على عجل. وتعامل الولايات المتحدة مع هذا الملف يقتصر على أربعة محاور: عراقي وإيراني وتركي وسوري؛ ففي المحور العراقي تحاول أميركا خلق قاعدة أميركية لنفوذ واشنطن في هذا البلد.. وهذه المحاور تنظر إليها واشنطن بعين الجد والاعتبار وتعطيها اهتماما واسعا وتوفر لها جل إمكاناتها السياسية والعسكرية والاقتصادية واللوجستية.

وبينما يزداد الرمق الأميركي للنيل من مناوئيها سواء كانوا دولا أم حكومات أم جماعات أصولية متطرفة، تتجه الأمور في العالم صوب التعقيد السياسي. وفي ظل هذا الانكماش المتأزم للأوضاع تسعى أميركا إلى بناء قواعد جديدة لها في بعض مناطق العالم كبناء الدرع الصاروخي في بولندا، والذي أحدث هيجانا سياسيا وإعصارا وتوترا في العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وبولندا.

ويبدو أن هذا العدد من القواعد العسكرية لا يشفي غليل الإدارة الأميركية فهي بحاجة إلى العديد من القواعد والثكنات العسكرية المتطورة. والعراق أحد هذه المحاور المهمة التي تسعى أميركا إلى البقاء فيها أطول مدة ممكنة بناء على أهميتها الاستراتيجية وقدراتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي الحساس. لكن الذي لا تطمئن إليه أميركا في العراق هو نفوذ ونشاطات الجماعات الأصولية كـ«القاعدة» وبقايا حزب البعث المنحل والمد الإيراني في جنوب العراق بشكل خاص ومساعي بعض الدول المجاورة إلى زلزلة وجود الأميركيين في هذا البلد. وفي المقابل تجد الولايات المتحدة لنفسها في العراق منطقة آمنة جدا وهي كردستان، فهي آمنة سياسيا لخلوها من «القاعدة» والتطرف و«البعث»، وتتمتع باستقلال إداري لافت للنظر ولا يحمل سكانها تحسسا للوجود الأميركي في مناطقهم كرد فعل لما أصابهم في السابق من ويلات على يد الأنظمة العراقية السابقة، والأهم من ذلك امتداد حدود إقليم كردستان مع إيران ومع سوريا وتركيا التي يحكم فيها التيار الإسلامي المتمثل بحزب العدالة والتنمية الذي يحاول بسط أفكارها في تركيا العلمانية.

ولو حاولنا فهم حسابات واشنطن وأنقرة تجاه الملف الكردي، فلا شك أن تركيا حليف مخلص لواشنطن منذ أن فرض مذهب «ترومان» على تركيا أن تكون جزءا من التحالف الغربي الأطلسي ضد الاتحاد السوفياتي السابق. وتدرك واشنطن أيضا أن تركيا حليفة للمساعدة في ضبط تفاعلات الصراع العربي الإسرائيلي لذلك شجعت أميركا الاتحاد الأوروبي على قبول تركيا عضوا فيه، وهو هدف تسعى إليه تركيا بكل قوتها ومساعيها الدبلوماسية.

لكن السؤال المحوري هو: هل من الممكن أن تحدث مواجهة سياسية بين تركيا والولايات المتحدة بسبب إصرار تركيا على منع قيام دولة كردية حاضنة لكرد العراق؟ في حين تصر أميركا على مساندة الكرد لأسباب تخص الأمن القومي الأميركي الحساس جدا إزاء أي تصرف أو تحرك دولي تمليه ماكينة الرقابة السياسية في البنتاغون. وهل هذا الموقف التركي مساند لسياسة أميركا في المنطقة؟ أم الحسابات الأميركية تختلف في الأولوية بالنسبة لكرد العراق، خاصة أن أوروبا متقدمة بخطوات كثيرة في مساندة أكراد العراق مقارنة بخطوات أميركا.

ومن المفيد القول إن الكيان الكردي في العراق قد يكون جزءا من الصراع بين واشنطن وطهران أيضا.. وأما الورقة الكردية في سوريا فسوف تستخدم في سياسة الاستهداف الأميركي لسوريا (لكن عند اللزوم) وإن كان أثرها محدودا بالنظر إلى نسبة الكرد في سوريا، وبالنظر أيضا لاتصالهم المباشر بأكراد تركيا جغرافيا.

وفي نهاية المقال ليس لنا إلا القول: نحن بانتظار ما تأتي به الأيام الحبلى من مفاجآت.

* كاتب كردي عراقي