شيء مؤسف!

TT

في سباق الترشح الرئاسي للحزب الجمهوري الأميركي الذي تحول مؤخرا إلى «سيرك» رخيص مليء بالفقرات «المهرجة» والساخرة وحركات الأكروبات لإرضاء القوى الخاصة من محافظين متدينين مسيحيين أو من مصنعي السلاح الشخصي أو مناهضي الإجهاض، وطبعا أنصار دولة إسرائيل بجميع أشكالهم، سواء أكانوا مجاميع ضغط يهودية أم قوى أصولية متطرفة مسيحية صهيونية. وهم، كما بات معروفا الآن، يشكلون ثقلا مهما في تكوين الرأي العام للمحافظين لليمين الأميركي ويبلغ تعدادهم نحو 8 ملايين نسمة يتمركزون في ولايات الجنوب الأميركي بشكل أساسي ومعظمهم من البيض الأميركيين من أصول أوروبية وأصحاب المنهج البروتستانتي المعمداني في الديانة المسيحية، ومن أصحاب المداخيل المرتفعة، وطبعا هذه المجموعة لها قناعات عقائدية راسخة «تفرقها» عن غيرها من أصحاب المذاهب المسيحية الأخرى فيما يخص العلاقة مع اليهود وأرض الميعاد وإسرائيل، فهي بالنسبة لهم موقع عودة «ملك الملوك» المسيح ليحارب الشر في موقعة هارمجدون كما يؤمنون بذلك في كتاب النبوءات، وهو كتاب في العهد الجديد بالنسبة إليهم تم تفسيره بإسقاطات سياسية معاصرة، أهمها ضرورة المحافظة على أرض اليهود دون تفريط؛ لأنها هي التي سيهبط عليها المسيح بوجود بني إسرائيل عليها، وبالتالي وجبت حماية الأرض واليهود بلا شك.

وإذا فهمنا هذه الخلفية فنستطيع استيعاب معنى تصريح متصدر الأصوات في استطلاعات الرأي بالنسبة للجمهوريين حتى الآن كمرشح رئاسي وهو نيوت غنغريتش، وهو المتحدث السابق للكونغرس الأميركي، الذي صرح لمحطة «التلفزيون اليهودي» (نعم هذا هو اسم المحطة) مع مذيع يرتدي القلنسوة اليهودية التقليدية على رأسه وقال: إن الشعب الفلسطيني هو شعب مخترَع، وإن الأرض لليهود فقط!

وهو رأي من تطرفه وفظاظته يزداد نفاقا وتملقا على رؤساء الوزراء الإسرائيليين أنفسهم في المرحلة الأخيرة، الذين يفاوضون الفلسطينيين باعتراف صريح بهم وبحقهم في دولتهم (وإن كانت طبعا تبقى الشياطين وتكمن في الإحقاق بذلك على أرض الواقع). نيوت غنغريتش بتصريحه الأخير يعكس شخصا لا يأبه بأن يفعل أي شيء لأجل الوصول لغايته، يؤكد ذلك تاريخه العائلي والديني. وكان ينتقد المؤسسات الحكومية الأميركية الكبرى ويمثلها في الوقت نفسه أمام الرأي العام في تناقض غريب.

هذه النوعية قد تصل للمنصب الأهم سياسيا حول العالم في ظل اضمحلال وسائل السياسة وسهولة شراء الضمائر والأصوات مع اختفاء أصحاب المواقف الكبرى وظهور السياسة التي لا تعترف إلا بالثمن المدفوع لأجل الموقف.. إنها أزمان الهواة التي يدفع العالم بأسره أثمانها إذا استمرت بهذا الشكل. نيوت غنغريتش لا يصلح رئيس نادي هواة لمراقبة الغزال في أحراش أفريقيا وليس رئيسا لكبرى دول العالم. شيء مؤسف.

[email protected]