بايدن يقدم مطالبه.. بالشبشب هذه المرة

TT

نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يعرفه الأتراك جيدا ولهم أكثر من صولة وجولة معه قبل أن يتولى هذا المنصب. جاءهم هذه المرة لقضاء 3 أيام كاملة الأسبوع الماضي رغم كل مشاغل أميركا الإقليمية والدولية.

هو حتما لم يقصد تركيا للإشادة بسياسات أنقرة أو مواقفها حيال الأزمة السورية، وللإعلان أن صبر البلدين بدأ ينفد ضد الرئيس السوري. وهو لم يفعل ذلك أيضا في محاولة لإشراك واشنطن مباشرة في الحلف الذي بدأ يقوى ويتزايد عدده ضد النظام السوري، أو للتذكير بتقارب المصالح والسياسات التركية - الأميركية في التعامل مع مسار الربيع العربي وارتداداته.

هو جاء يستفسر إذا ما كانت أنقرة ستأخذ مكانها إلى جانب واشنطن في احتمالات المواجهة الإقليمية الواسعة التي يريدها البعض، في زيارة مطولة أصر خلالها على أن يلتقي رجب طيب أردوغان في منزله، رغم وجود الأخير في فترة النقاهة بعد عملية جراحية عاجلة، قبل خلالها أن يخلع حذاءه أمام باب الدار وارتداء الشبشب الذي سيأخذ مكانه حتما في القاموس الدبلوماسي الأميركي؟

أنقرة قلقة وحذرة في التعامل مع ما سيحمله ويقوله بايدن. لباس «عباءة النار» ثمن يدفع مقابل تلبيسه الشبشب، وهذه مسألة ليست بعيدة عنه بعدما أقنع إدارة البيت الأبيض بالوقوف ضد المصالح التركية في أزماتها مع شمال العراق وموضوع حزب العمال الكردستاني وقبرص والمسألة الأرمينية والتوتر التركي - الإسرائيلي.

أنقرة تعرف أن هناك محاولات لإعادة تركيب التوازنات الإقليمية وخريطة التحالفات في المنطقة، لا تريد أن تكون بعيدة عنها أو أن تكون على حسابها، لكنها تعرف كذلك أن بايدن يحمل مشروع توسيع رقعة التفجير الإقليمي، وتحويل الأزمة السورية إلى تفجير أوسع يشمل إيران ولبنان وحماس، وليحسم الموقف مرة واحدة وبالطريقة التي تريدها إدارة البيت الأبيض، وتحت شعار بالوني مفخخ.. الحلول كلها تمر من أنقرة.

واشنطن تريد إقناع أنقرة بحقيقة تداخل المصالح السورية - الإيرانية الاستراتيجية وصعوبة الفصل بينها، وانطلاق دمشق وطهران بعد كسب الود الروسي لإعداد خطط المواجهة المشتركة، وأن أنقرة ستكون عاجلا أم آجلا في الخندق المقابل.

واشنطن تريد من أنقرة أيضا أن تراجع علاقاتها، ليس فقط مع النظام السوري كما فعلت في الأشهر الأخيرة، بل أن تتخلى عن رهانها على إيران وقدرتها على جمع التناقضات الإقليمية في سلة واحدة.

أنقرة تقول إنها لا تعرف أسباب هذا الغضب الإيراني في موضوع نشر أجهزة رصد الصواريخ بعيدة المدى على حدودها الشرقية باسم منظمة شمال الأطلسي، لكن حملات الإعلام التركي الرسمي وصمت الإعلام الإسلامي المقرب إلى «العدالة والتنمية» حيال التراجع الدائم في العلاقات التركية - الإيرانية، يؤكد أن رياح التغيير هذه ستتحول إلى عاصفة وأن التوتر واقع لا محالة. لكن الأصعب الذي يطلب منها اليوم هو الانتقال إلى خندق المواجهة ضد إيران، بعدما كانت بالأمس وسيطا في الملف النووي الإيراني بين طهران والغرب.

نحن نفهم أن يكون بايدن جاء محملا بالوعود والتعهدات، لكنه جاء يقول أيضا إن تركيا ستجد صعوبة أكبر في إقناع القيادة الإيرانية بالتخلي عن المواقف التهديدية باستهداف تركيا إذا ما شعرت بأن خطرا ما يحيط بها.

أنقرة تعرف أن تراجع علاقاتها مع إيران سيختلف تماما عن مسألة تدهورها مع سوريا وأن الخسائر المادية والاستراتيجية ستكون كبيرة جدا. لكن بايدن يقول إن بلاده ستقدم الضمانات والدعم الكافي لحكومة أردوغان في حسم موضوع حزب العمال الكردستاني، والرياح دائمة العصف من شمال العراق، وأنها ستتحرك باتجاه إنهاء القطيعة التركية - الإسرائيلية، وستضمن مصالح تركيا في تركيبة المنظومات الجديدة في شمال أفريقيا والعالم العربي.

أنقرة تعرف أنها في أحسن الأحوال ستكون في السنوات القليلة المقبلة أمام ورطة اسمها ارتدادات الربيع العربي على سياستها الإقليمية، وتراجع استراتيجية تصفير المشاكل مع دول الجوار لصالح ارتفاع بارومتر المشاكل.

هو جاء يذكر الأتراك أنهم أمام مرحلة محورية جديدة في علاقاتهم مع إدارة البيت الأبيض، وأن واشنطن ستقدم الكثير مقابل حصولها على تعهدات وضمانات تركية بالوقوف إلى جانبها في لعبة التوازنات الإقليمية الجديدة، وأن يتأكد أن أردوغان لن يتخلى عن أميركا في منتصف الطريق كما حدث عام 2003 إبان الحرب الأميركية على صدام حسين.