أفيدونا أفادكم الله

TT

تعلمت من الأستاذ الكبير مصطفى أمين، أن أناقش أفكار غيري، ولكن أن أحجم عن دخول معارك كلامية قائمة على الإهانات أو التجريح الشخصي. وتعلمت أيضا أن الفكرة لا يرد عليها إلا بفكرة، وليس بإهانة أو تجريح أو محاولة مباشرة أو غير مباشرة للنيل من كاتبها. أنا أختلف «مع» فكرتك وليس «على» شخصك!

هذه المقدمة أردتها قبل أن أشير إلى أن مقالي الخاص بضرورة دعم مصر عقب أزمة البوتاغاز في هذه الزاوية قد أثار وجهة نظر تستحق التأمل والمناقشة المتأنية. كتب زميل شاب وإعلامي محترم وبارز في صحيفة مصرية ما معناه أنني بمقالي هذا أمارس التسول في وقت تنتج فيه مصر الغاز وتبيعه بأرخص الأسعار إلى الكيان الصهيوني. وفي هذا المجال يهمني أن أؤكد الآتي:

1) أنني أومن أنه طالما طرح الإنسان فكرة فمن حق الآخر مناقشتها شريطة مبدأ أخلاقي واحد، وهو «ناقش» الفكرة كما تريد ولكن دون امتهان صاحبها!!

2) أن ما تعرض له الزميل الفاضل في مقاله هو حق مكفول له، وأيضا هو صاحب وجهة نظر لها وجاهتها، وفي جميع الأحوال جزاه الله كل خير.

هذا ما هو خاص، أما ما هو «عام» الذي يتعداه ويتعدى شخصي الضعيف، فهو الإجابة على سؤال: هل حينما أطالب الأشقاء العرب بدعم شعب مصر في أزمة البوتاغاز أكون - لا سمح الله - أمارس التسول مما يحط من قدر مصر والمصريين؟

فلأذهب أنا إلى الجحيم.. ولكن يبقى السؤال: هل السعي إلى دعم وطني وشعبي فيه امتهان للكرامة الوطنية لهم؟ هذا هو السؤال المهم، بل الأهم.

إن طلب المساعدة أو الغوث عند الأزمات، هو قاعدة شرعية في الإسلام، وهو سلوك عربي منذ بزوغ شمس الحضارة على هذه المنطقة، وهو أيضا حق تنص عليه مبادئ ومواثيق الأمم المتحدة. ومنذ الحرب العالمية الثانية وكل دول العالم تطلب المساعدة بشكل أو بآخر. وطلب المساعدة يأتي بعد الحروب العامة أو الأهلية، أو عقب الكوارث الطبيعية، أو الأزمات الاقتصادية، أو المجاعات، أو الثورات والانقلابات العسكرية.

لم تكن الولايات المتحدة - أكبر قوة اقتصادية في العالم - متسولة حينما طلبت المساعدة عقب إعصار «كاترينا»، ولم تكن تركيا متسولة حينما استقبلت المساعدات عقب الزلزال الأخير، ولم تكن اليونان وإسبانيا فاقدتين للكرامة الوطنية حينما طلبتا الدعم المالي من دول الاتحاد الأوروبي. وحينما تطلب مصر المساعدة فهي تطلب حق التاريخ والجغرافيا وحسن الجوار، وتطلب أيضا من رصيدها في حماية هذه المنطقة على مر التاريخ وآخرها المشاركة في حرب تحرير الكويت. إن من دفع الدماء يستطيع بكل كرامة أن يطلب الغاز! أما التلميح بأنني أكتب في «الشرق الأوسط» «السعودية» فإن ذلك لا يشينني، بل يشرفني. «التسول» هو أن تطلب شيئا لنفسك، بما يحط من كرامتك، وها أنا الآن أكتب في هذه الجريدة «السعودية» صارخا متسائلا: يا أهل المملكة من الرياض إلى جدة، ومن الدمام إلى ينبع، هل طلب منكم كاتب هذه السطور ذات يوم شيئا يدخل في باب التسول؟ وها أنا أسأل: هل حينما أطالب الأشقاء العرب بدعم الشقيقة مصر في أزمتها هل أنا أمارس ما يحط من كرامتها؟

أفيدوني أفادكم الله!