حجب الجائزة

TT

أعلنت السيدة سامية محرز، مديرة جائزة نجيب محفوظ الأدبية، منح الجائزة هذا العام «للشعب المصري لإبداعه الأدبي الثوري». كانت هذه ذروة الاحتفالات بمئوية أحد أشهر مواليد النيل وشعراء الأزقة التي - في حكاياتها وثرثرتها ومقاهيها - رسمت للقاهرة صورتها المتكررة عبر التاريخ، مدينة تهوى وتذوب شوقا، تحزن وتذوب فرحا، تتعب وترتاح في حضن الصبر المغني.

لم أشعر براحة أو قناعة لمنح جائزة أدبية لها شروط محددة «للشعب المصري». ولم أجد سوى نجيب محفوظ أسأله عن رأيه في المسألة. لم يسمع السؤال في البداية. كررته وقدمت له براءة حجب الجائزة عن فرد بحجة تكريم الثورة. لف لحيته الصغيرة براحة يده وقال ضاحكا: «الجماعة موش عاوزين دوشة زيادة. ادوها للشعب المصري وخلاص».

ولكن ألم يكن الشعب المصري يستحقها من قبل؟ هل هذا تكريم له أو إهانة؟ ماذا يعني أن يعطى الشعب المصري «علامة» على ثوريته؟ قال: «دعنا لا نفلسف الأشياء. مصر مخبوطة وليس لديها الوقت للبحث عن مستحق لجائزة أدبية».

قلت: ألا يخيفك ذلك؟ هل يعقل، حتى وسط هذا الضياع، عدم وجود وريث - ولو بعيد - لنجيب محفوظ؟ هل يرضيك ألا يبرز مرشح آخر لنوبل؟ هل نسيت أن مصر 85 مليون بشري؟

ضحك: «الأعداد لا تولد المتحيزين. طاغور لم ينل نوبل لأن عدد سكان الهند 300 مليون نسمة. ألبير كامو لم يعط نوبل لأنه فرنسي. نوبل تعطى في الغالب للتجربة الأدبية الإنسانية وليس للشخص. يجب أن ننسى نوبل كهدف. الذي يقلقني هو الحال الأدبية في صورة عامة، ليس في مصر وحدها بل في الأدب العربي بصورة عامة. تردني أعمال كثيرة، فماذا أشعر؟ يخامرني الشعور الذي عرفته لجنة جائزة نجيب محفوظ. الأفضل الهرب إلى الشعب من القول إن الأفراد لا يستحقون. إعطاء جائزتي (للشعب المصري) أمر مضحك، لكنه من ناحية أخرى أمر مؤسف أيضا. أمر شديد الأسف».

- أعتذر أنني قطعت عليك راحتك من أجل مسألة عابرة

- «أبدا. هذه ليست مسألة عابرة إطلاقا. ليس عندي ما هو أهم من مصر إلا حال الأدب في مصر. لذلك بعثت إلى لجنة الجائزة برسالة واعتذار، أقول فيها إنه كان من الأفضل والأصدق حجبها. شعب مصر ليس في حاجة إلى تملق. في حاجة إلى يقظة. هذا ما حاولته دائما قبل أن أذهب إلى النوم الكبير».