ثالث المجانين

TT

من بين كل الحكام العرب، حيرني بشار الأسد بلغزه. أعرفه كرجل عاش في بريطانيا، أُمّ الديمقراطيات، قريبا من بيتي، وفيها درس ومارس الطب، ثم تزوج بامرأة إنجليزية عربية. من عرفوه واشتغلوا معه شخصيا أوصوا به كرجل طيب إنساني. ورث الحكم عن أبيه بالصدفة. وتوقع القوم منه الكثير من الإصلاح. ثم واجه محنة هذه الثورة، فإذا به ينقلب إلى سفاح يفوق صدام حسين قسوة واستهتارا بحياة الناس. وهذا بعد أن رأى المصير التعيس للقذافي ومبارك وصدام حسين.

ما الذي حصل له؟ تحيرت في الأمر. أحقا يريد أن ينتهي بنهاية القذافي، جرذا في مجرار، أو كصدام حسين، معلقا بحبل من رقبته؟ كيف أفسر ذلك؟ بدا لي أنه وقع أسيرا لأسرته وفقد إرادته. فَهُم، وهم يخشون على مصيرهم كمجرمين وحرامية حريصين على أموالهم، أوقعوه في شباكهم وهددوه. أطِع ما نُمليه عليك وإلا...

الاحتمال الثاني هو أنه رجل فقد عقله. فالجنون شيء شائع بيننا. ألتقي به كل يوم في جل هؤلاء الدبلوماسيين والمثقفين والإسلاميين العرب. لا شك عندي أن صدام حسين والقذافي ابتُليا بالجنون وأودى بهما. فهل أضمّ بشار الأسد إليهما أيضا؟ يا سبحان الله! لم يعد هذا الرجل فقط يحيرني، بل أصبحت الأمة العربية بكاملها تحيرني! هل هي أيضا مصابة بالجنون؟! كيف تسمح لكل هذه الشلة من المجانين بحكمها؟!

أخيرا أخرجني بشار الأسد من حيرتي. اعترف هو شخصيا للصحافة الأميركية بأنه مجنون. قال لها بأنه لا يمكن لحاكم أن يقتل شعبه ما لم يكن مجنونا. وهذا اعتراف ضمني واضح بجنونه، فقتل أبناء الشعب السوري أصبح معروفا وموثقا بالأرقام والتقارير والتصريحات الرسمية وإفادات الشهود. إنكار الحقائق والواقع عرض من أعراض الجنون الشائعة. ولا بد لبشار كطبيب أن يعرفها. وهكذا حملت المعارضة السورية مؤخرا شعار «بشار لمستشفى المجانين»!

ولكنّ السوريين اشتهروا بالذكاء واللوذعية التجارية. فهل تسرب شيء من تلك الروح في تصريحه هذا؟ هل هو تحفّظ بارع منه ليدّعي عند محاكمته لارتكاب جرائم ضد الإنسانية بابتلائه باختلال قواه العقلية عند ارتكاب الجريمة؟ «يا حضرات المحكمة الموقرة، أنا مجنون ومشهود علي بجنوني. وأول شاهد علي بذلك هو نفسي شخصيا». ثم يأتي بالصحافية الأميركية كشاهد ثانٍ. «نعم، هذا صحيح! حالما التقيته، خفت على نفسي وقلت هذا أمامي رجل مجنون».

تفكر الأوساط السياسية الآن في البديل. وهي المعضلة التي تواجه أيضا كل الأنظمة الجديدة التي خلفها الربيع العربي. وهنا أتطوع وأذكرهم بما سبق وكتبته في هذا العمود. ما دامت هذه الأمة ابتليت بالمجانين، فأعتقد أن من الحكمة والصواب مطالبة أي زعيم يرشح نفسه للرئاسة أن يقدم تقريرا طبيا ممهورا من طبيبين اختصاصيين في الأمراض العقلية يشهدان بسلامته من أي علة عقلية أو عصبية. وهذا شيء أصبح ضروريا جدا في الوضع الحالي، فأي رجل يتقدم لحكم هذه الدول ويعدنا بإنقاذ شعوبها وحل مشكلاتها التي خلفتها الأنظمة البائدة، لا بد أن يكون هو الآخر مجنونا.