الخوف يعم إيران ويتحكم في قادتها الدينيين والسياسيين

TT

أضافت الانفجارات الأخيرة التي وقعت في إيران إلى الشعور بالذعر المتزايد هناك مع خوف النظام من أن يكون هدفا لضربة مفاجئة إسرائيلية أو أميركية. وكان إسقاط طائرة «الدرون» فوق الأراضي الإيرانية عاملا آخر ليضاعف المخاوف الإيرانية من أن البلاد تتعرض لهجوم منسق من قبل أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية الغربية لتدمير العناصر الأساسية للبنى التحتية النووية الإيرانية. ويزيد من عامل القلق الإيراني الوضع السوري، رغم أن الإيرانيين مستمرون في تقديم المساعدات الكبرى الرئيسية لنظام بشار الأسد غير عابئين بتحذيرات المعارضة السورية من أن إيران تلعب لعبة خطيرة للغاية.

الانفجار الذي وقع بالقرب من «بيدغانه» التي تبعد أربعين كيلومترا جنوب غربي طهران وأدى إلى مقتل 17 إيرانيا ومؤسس برنامج الصواريخ الباليستية العماد حسن طهراني مقدم، حدث عندما أقدم «الحرس الثوري الإيراني» على رفع مستوى تأهبه التشغيلي. كان ذلك بدافع الخوف، ويقول البعض بدافع «البارانويا» من أن المنشآت النووية الإيرانية ستتعرض لهجوم وشيك.

قبل الانفجار بوقت قصير، حشد الإيرانيون وحدة خاصة من سلاح طيران «الحرس الثوري» بقيادة أمير علي حاجي زاده، إضافة إلى فريق نقل خاص. وحسب حاجي زاده، كانت ضربة حظ أنه لم يلق كثيرون حتفهم، «لأن نقل الصواريخ والمعدات عملية محفوفة دائما بالمخاطر، وتكون أكثر خطرا عندما يجري تجاوز أنظمة السلامة، ولا يكون الجنود المكلفون بنقل هذه الصواريخ والمعدات مدربين بشكل صحيح».

ولوحظ أن الإيرانيين أقدموا على تنفيذ مناورات عسكرية في أجوائهم. أجرت المناورات «وحدات الرد السريع» للقوة الجوية الإيرانية، ووصفت التدريبات بأنها جزء من المحاكاة الخاصة بهم لمواجهة غارات جوية من العدو، بعبارة أخرى: هجوم على البنى التحتية النووية.

وحسب معلومات موثوقة، فقد أرسل الجنرال محمد علي جعفري قائد «الحرس الثوري» تهنئة إلى قائد قاعدة «خاتم الأنبياء» الجوية التي شاركت في المناورات الجوية. الأهم في الأمر، أن الشخص الذي سلم رسالة التهنئة من قبل جعفري، قال: «المفيد من المناورات التي أجريت، أنها كانت جزءا من عمليات لوجستية واسعة النطاق» في إشارة إلى نقل صواريخ ومعدات أخرى.

المغزى هو أن المناورات توفر ذريعة لإعادة نشر الأسلحة تحت ستار: «التخطيط العسكري»، بينما الواقع أن الإيرانيين كانوا مسرعين في نقل الأسلحة عندما وقع حادث الانفجار قرب «بيدغانه». مما يدل على أن «الحرس الثوري» يدير عمليات نقل على نطاق واسع منذ صدور التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويؤكد مصدر عسكري، أنه لم يكن هناك اتصال مباشر بين هذا الانفجار وانفجار أصفهان ما عدا أن الانفجارين يعكسان الفوضى التي تعم النظام الإيراني من الداخل. أيضا صارت هذه هي القضية الرئيسية التي باتت تزعج بجدية القادة الإيرانيين في ضوء الأحداث الأخيرة، فهم متخوفون للغاية من الانزعاج الناجم عن الانفجارات.

رجال السياسة مرعوبون من الزعماء الدينيين، والزعماء الدينيون لا يثقون بالسياسيين، يضاف إلى ذلك أن النظام كله صار قائما على الخوف، دوليا ومحليا.

ما يحاول القادة الإيرانيون القيام به الآن، هو إشاعة هالة من «العمل كالمعتاد». هذه هي الرسالة التي يحاول المسؤولون الإيرانيون ترويجها لطمأنة الشعب الإيراني، حتى وإن كان الوضع هو كل شيء إلا هذا.

ما يريدون تجنبه بأي ثمن هو الشعور المتزايد لدى الشعب الإيراني بأن الثمن الذي يُدفع للاستمرار في الطريق نحو إنتاج القنبلة النووية أصبح ثقيلا جدا ومكلفا.

إن الطريقة الملتوية وغير المهنية التي تمت بها المناورات العسكرية أظهرت بوضوح أن تسلسل القيادة في حالة فوضى أكثر من أي وقت مضى، وأن هناك مشكلات خطيرة بين «الحرس الثوري» والجيش النظامي.

من بين الاهتمامات الرئيسية للقادة العسكريين أن هذه المناورات قد تسبب سوء حساب أو تقدير وسط حالة التوتر القائمة مع الغرب، وأن الغرب قد يفسر الانتشار الجديد بأنه ذو طبيعة هجومية جديدة.

إيران تغلي.. ليست قادرة على شن حرب، وليست متأكدة من أن خططها غير معرضة للتدمير. التطورات الأخيرة تشير إلى ذلك؛ ومن بينها الهجوم على السفارة البريطانية، إضافة إلى إسقاط طائرة «الدرون»، والانفجارين، في وقت تسرّع فيه إسرائيل من زيادة قدراتها للتخفيف من تأثير الصواريخ الإيرانية. وذكرت الصحف الإسرائيلية أن إسرائيل تسلمت أنظمة «باتريوت» المضادة للصواريخ من «دولة صديقة»، كما نشرت ثالثة بطاريات «القبة الحديدية» ضد الصواريخ القصيرة المدى.

في الأسابيع الماضية، وصل مستوى الخطاب السياسي الإسرائيلي المعادي لإيران إلى أقصى حالة، وبالنظر إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية في الماضي، فإنها تعتمد عنصر المفاجأة، لذلك، فإن تصعيد الخطاب لا يوحي بأن هجوما على المنشآت النووية الإيرانية صار وشيكا، لكنه يؤكد أن إسرائيل تبني قضيتها أمام المجتمع الدولي لتبرير هجوم مستقبلي، وهذا ما يخيف إيران.

هذا التخبط الإيراني، إن كان في المناورات أو التسبب في الانفجار مع الإسراع في نقل المعدات والصواريخ، لا يلغي أن الإيرانيين يريدون التحقق من أوضاع خياراتهم العسكرية مع كل من شركائهم الاستراتيجيين الرئيسيين؛ حزب الله، وحماس، والجماعات الإسلامية الأخرى في غزة وسيناء وأماكن أخرى، وكذلك، بطبيعة الحال، مع سوريا. الأزمة في سوريا تثير تساؤلات خطيرة لدى الإيرانيين في ما يتعلق بمدى فعالية القيادة العسكرية في دمشق، وعما إذا كانت مفيدة لطهران في حال احتاجت إيران الرد على أي هجوم من جانب إسرائيل أو أميركا أو كليهما.

حزب الله في لبنان لم يتأخر في التجاوب والتوضيح. لوحظ ذلك في حملة التصعيد التي اعتمدها الحزب؛ بدءا من خطاب أمينه العام السيد حسن نصر الله يوم عاشوراء، وكان بمثابة «الكلمة النارية» التي دافع بها عن النظام السوري أولا، وعن سلاح المقاومة ودوره المستقبلي، والصواريخ التي يتم تجديدها وتكديسها، وتلاه لاحقا الشيخ نعيم قاسم في التأكيد على أن المقاومة وسلاحها هما لبنان ومستقبل لبنان ولا معادلة أخرى. ثم نواف الموسوي الذي قال: «المقاومة وشعبها وجيشها»، أي إن معادلة «لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته» التي يرفضها أكثر من نصف اللبنانيين، أسقطها الموسوي وحول الشعب والجيش لخدمة المقاومة.

تزامن ذلك مع حملة التصعيد ضد الولايات المتحدة والسفارة الأميركية في بيروت التي وصفها الحزب بأنها «وكر للجواسيس»، (إيران وصفت السفارة البريطانية في طهران قبل الهجوم عليها بأنها «وكر للجواسيس»)، وطالب بمعاقبة المتصلين بالأميركيين كمعاقبة المتصلين بإسرائيل!

أراد حزب الله إبلاغ القيادة الإيرانية أن لبنان سيصبح أو أصبح «ميني - إيران»، وبالتالي يمكنها الاطمئنان إلى دوره إذا ما تعرضت لأي هجوم.

حملة التصعيد التي اعتمدها حزب الله لتهديد كل اللبنانيين، عكست انعكاس حالة الإرتباك الإيرانية عليه.

أما سوريا، فقد ردت هي الأخرى على لسان رئيسها، بأن ما تتعرض له، ليس إلا مؤامرة لموقفها المتحالف مع إيران، ولأنها قلب دول الممانعة.

«تلبية نداء الواجب» من حلفاء إيران، لا يلغي أن العقوبات بدأت تؤثر فعلا على الاقتصاد الإيراني، وهي ستزداد، والاضطرابات المدنية تضعف حلفاء إيران في المنطقة، خصوصا سوريا وبطريقة غير مباشرة حزب الله، إضافة إلى عمليات التخريب والأخطاء التي صارت تطال برامج إيران النووية والصاروخية.

السؤال هو: هل تستطيع إيران البقاء على هذه الحالة هي وحلفاؤها حتى منتصف عام 2012؟